الحب إكسير الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الأمور العجيبة التي تحدث للبشرية على مر العصور، ومن جميع الجنسيات والأديان وألوان البشر، ما يمكن أن يُطلق عليه الحب، وغالباً ما يعاني المحبون من الاضطهاد، ولعل الكاتب الكبير «ويليام شكسبير» قد بين ذلك في قصة روميو وجوليت، والتي كما يعلم القارئ العزيز، قد انتهت بفاجعة.

هذا وقد ظلت في الذاكرة العربية مأساة «قيس وليلى»، وفي هذا المجال لا يفوتنا إلا أن نتذكر مؤلف الدكتور فرانك تاليس باللغة الإنجليزية Love as mental illness والذي حاول من خلالها الغور والدراسة العميقة على دماغ العُشاق والعاشقات، وخاصة في نظرتهم إلى صور من يحبون متجاهلين كل السلبيات لدى المحبوب أو المحبوبة، وما هي علاقة الرائحة الجسدية للإنسان في إشعال نار الحب والإخلاص، وربما الجنون لدى أولئك.

ولا ننسى أن الكاتب المبدع «محي الدين اللاذقاني» قد أبحر في هذا الموضوع في مجلة الهدهد الالكترونية.

إن الحقيقة الواقعية تؤكد أن حالة الحب تتلخص في خلاص الإنسان من الوحدة والأنانية، والعمل بكل جهد، ودون كلل أو ملل للوصول إلى من يحب، حتى لو كان ذلك على حساب نفسه وصحته وحياته الخاصة، فالإنسان على استعداد للتضحية لأقصى درجة من أجل الحبيب. ومعظم الدراسات الاجتماعية والنفسية حاولت أن تدرس هذه الظاهرة، سواء لدى الإنسان أو الحيوان، فقد ثبت علمياً أن العاطفة أساسية في حياة الكائنات وحتى النبات.

وتلعب الطبيعة دوراً في تفعيل ظاهرة الحب عند الإنسان، خاصة في فصل الربيع الذي تتقد فيه المشاعر والعواطف بشكل ملحوظ، وكذلك الليالي القمرية التي تزيد من الشوق إلى الحبيب...

حينما يخلو المحب بنفسه ويحاول مناجاة حبيبته، ويبدو أن الحب حالة ليلية، ولا علاقة له بالنهار، ألم تغنِ أم كلثوم الأطلال، وكاتبها الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي الذي يقول في نهاية تلك الأغنية الرائعة «وإذا النور نذيرٌ طالعٌ، وإذا الفجر مطلٌ كالحريق، وإذا الدنيا كما نعرفها، وإذا الأحباب كلٌّ في طريق»، إذاً هو الفراق، وكم يكره المحبون ذاك الضوء الذي يفرق بينهم.

ويرى البعض أن المحب يبحث في حبيبه عن صورة الأم أو صورة الأب، وهي إحدى الصور عند المحبين.

إن معظم الأفلام السينمائية سواء العربية أو الغربية أو الهندية قد تناولت ذلك الموضوع بأشكال مختلفة ولكن كلها تتفق على الحب كإحساس خاص بين البشر جميعاً بالرغم من اختلاف الثقافات والأمم والأديان، لذلك فالحب لا دين له، ولا يؤمن إلا بالسعادة، والتقارب بين القلوب، وفقدان الحبيب حالة أشبه بنهاية الحياة. ولعل تأثر الإنسان بتلك الأفلام، تجعله يذرف الدموع دون رقيب داخلي أو خارجي، وكأنه يتحرر من كل القيود، ويبرز الإحساس والتفاعل الإنساني حينذاك.

أليست الصوفية حباً خالصاً لله تعالى في صورٍ لا يعرفها إلا أولئك المتصوفين، وربما تذكرنا شهيدة الحب الإلهي «رابعة العدوية» بذلك الجانب، وهي التي تركت كل مُتع الدنيا، وذابت حباً ومناجاة في الخالق، وكما أنشدت: « ﻋﺮﻓﺖ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻣﻨﺬ ﻋﺮﻓﺖ ﻫﻮﺍﻙ .... ﻭﺃﻏﻠﻘﺖ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻦ ﻣﻦ ﺳﻮﺍﻙ». ألم يتخلَ عن السلطة والمال والجاه ذلك الأمير البريطاني في سبيل حبه، وهل ذهبت ديانا إلى العالم الآخر إلا بسبب حبها، وكما نعلم أن الحب أقوى من الموت أحياناً، ونور يضيء الليل دامس السواد.

 

Email