»داعش«.. الكرة الملتهبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بُعيد الاحتلال الذي قادته الإدارة الأميركية للعراق عام 2003، أشيع أن تنظيم القاعدة أسس فرعاً له في العراق. اتخذ التنظيم عدة أسماء وعناوين مرحلية، في الآونة الأخيرة استقر على عنوان »دولة الإسلام في العراق والشام«.

أطلقت عليه وسائل الإعلام العربية اختصاراً »داعش«، أسوةً بالطريقة الغربية في اختصار العناوين الطويلة. بدأ ذلك على ألسن وسائل الإعلام ذات الميول الثورية المضادة، وأشهرها التي تناصر المنهجية الإيرانية في السياسة؛ بالذات السورية وحزب الله، والأحزاب والحكومات الأخرى المتعاطفة معها.

ثم قلّص تنظيم داعش اسمه إلى تنظيم »دولة الخلافة«، بسبب كثرة اللغط حول ماهيته باستخدام اختصار »داعش«؛ الأخير أصبح عنواناً للمسخ والتشويه والتخلف الفكري والحضاري للتنظيم المثير للجدل.

كثرت الأسئلة المثيرة للجدل حول ماهية هذا التنظيم، شكلاً وتنظيماً وتركيبةً وأفعالاً ومنهجيةً فكريةً. منهم من يتهمه بأنه صنيعة الاستخبارات السورية والإيرانية. لكن الحرب الشعواء المعلنة عليه من حزب الله وإيران والنظام السوري تكاد تنفي تماماً هذه الفكرة من الأساس والفرع. وما الاشتباكات الجانبية مع الفئات المعارضة الأخرى للنظام السوري، سوى تصرف طبيعي لأجنحة الصراع الأيديولوجي المحتدم. عادة ما يتجسد ذلك الصراع ميدانياً بإراقة دماء ضحايا، منهم الأبرياء، ومنهم المتورطون في أعمال عنف وعنف مضاد.

ثم راج سيناريو آخر، مفاده أن التنظيم تدعمه الاستخبارات الأميركية والقوى المتحالفة مع الإدارة الأميركية، ذلك أن التنظيم وأنشطته المثيرة للجدل عادة ما »تنير الدرب« لسلوك السياسة الأميركية الخارجية تجاه المنطقة وأهلها. تستعمله الإدارة الأميركية للتدخل في أية منطقة تشك في وجود التنظيم فيها، أو يقوم منها بأنشطة معادية.

هنالك عدة نقاط وأوجه نشاط تثير الجدل حول الدعم الأميركي والغربي عموماً للتنظيم. كثيرون من أعضاء التنظيم، وخاصة القياديين منهم، أتوا من المجتمعات الغربية أو من الدول المتحالفة سياسياً وأمنياً وعسكرياً مع الإدارة الأميركية. هذا إلى جانب خفة حركة التنظيم في حرب الكر والفر، والاحتلال والانسحاب التكتيكي، في مختلف مناطق العراق والشام الواسعة. الحرب التي يقوم بها التنظيم تحتاج إلى قدرات قوى عظمى لتدبيرها، إدارياً وعسكرياً وسياسياً واستخبارياً وبشرياً.

النظرية الأخرى وليست الأخيرة! في ماهية تنظيم »دولة الخلافة«، هي الاستقلالية التامة في الوجود والعمل والأنشطة المختلفة. راجت شائعات بأن عناصر التنظيم يتمتعون بصفات فريدة من نوعها جسدياً وعقلياً وعقائدياً فكرياً، وحتى تمويلياً وتموينياً. لدى عناصر التنظيم ذي الجذور »القاعدية«، خبرات ميدانية وأمنية ولوجستية غير عادية. هذه اكتسبها من الحروب في أفغانستان وباكستان والقوقاز والصومال، وبقية الدول التي واجه التنظيم فيها القوى الغربية.

هنالك سيناريو أقرب إلى المنطق والواقع الميداني، ألا وهو أن التنظيم متعدد المواهب والاستخدامات، والعمالة لهذا الطرف أو ذاك. التنظيم سهّل الاختراق أو الاستحواذ عليه وعلى أعماله، بسبب جموده الفكري وقصر نظره في التخطيط الاستراتيجي والمرحلي.

بصورة رئيسة، ينشط تنظيم »داعش« في العراق وسوريا، وبشكل أقل في الدول المحيطة بالدولتين المستهدَفتين بالتغيير الدموي العنيف. تتأثر دول المنطقة بوجود التنظيم بشكل مباشر وغير مباشر، بعمق أو بشكل سطحي. أكثر الدول قابليةً للتأثر بأنشطته هي الدول التي تقع على القائمة الأميركية المتغيرة على الدوام. تشمل »القائمة الحمراء« هذه، الدول المناهضة والمتحالفة مع الإدارة الأميركية، وتقريباً على حد سواء. إذا ما تغيرت السياسة الأميركية تجاه حليف ما، فما على أحد السياسيين البارزين في الإدارة الأميركية إلا توجيه أصابع الاتهام إلى تلك الدول أو الأنظمة بمساعدة »داعش«، من خلف الكواليس!

حينها ستقوم قيامة تلك الدولة أو الدول، عبر جميع وسائل الإعلام الدولية. تنتقل المعركة أو الحرب إلى عقر دور تلك الدول، ويبدأ العد التنازلي السريع لزج تلك الدول في أتون صراعات وحروب، قد تبدأ وتكاد لا يمكن أن تنتهي.

السؤال المحيّر الذي يطرح نفسه منذ بدء نشاط »داعش« هو: متى ستنتهي الحرب عليه؟ بالنصر أو بالقضاء عليه أو بتحييده أو بالتخلص منه سياسياً أو عسكرياً أو اجتماعياً أو حتى فكرياً وعقائدياً، ذلك ما يعطي زمناً مفتوحاً للإدارة الأميركية لتلعب فيه على هواها، وتصول وتجول في المنطقة والعالم. الشعوب العربية هي آخر من يحتاج إلى الحروب في المنطقة، عانت ما تعانيه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وحضارياً.

لماذا تصر الإدارة الأميركية على أن الحرب ضد »داعش« ستأخذ وقتاً طويلاً، برغم الخسائر الهائلة التي تعانيها شعوب المنطقة على مدار الساعة؟ أغلب الحكومات والشعوب العربية التي تعاني وجود »داعش«، هي متحالفة مع الإدارة الأميركية في حربها على الإرهاب.

آن الأوان للإدارة الأميركية والقوى المتحالفة معها، دولياً وإقليمياً، أن تتبع أسلوباً ومنهجيةً أكثر عقلانيةً في التعامل مع الإرهاب وأدواته. مصطلح الإرهاب فضفاض، ويُستعمل لخدمة أهداف سياسية واستراتيجية، وحتى عقائدية مشكوك في أمرها جملةً وتفصيلاً.

على الإدارات العالمية والإقليمية والمحلية أن تتفق على تسمية الأمور بمسمياتها، بكل حكمة وموضوعية وعقلانية، ذلك قبل أن يذيق الإرهاب المرارة والأهوال والكوارث لشعوب الأرض قاطبة، تحت أسماء ومسميات وعناوين ومختصرات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان حقيقي.

المنهجية السياسية الأميركية الحالية في مكافحة إرهاب »داعش« غير مجدية، وتسهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية فقط. أصبحت »داعش« رمزاً أقرب إلى كرة ملتهبة تقذفها الجهات الرئيسة اللاعبة في السياسة الدولية، في أي اتجاه تحاول أن تجني منه ثماراً.

Email