أم الإمارات.. امرأة ذهبية بإرادة حديدية

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتادت دول العالم على التفاخر بامرأة حديدية تشغل منصبا سياسيا هنا أو هناك، لكننا في الإمارات حظينا بفضل الله بما هو أهم وأرفع من ذلك؛ حظينا بأم رؤوم لها قلب من ذهب وعزم من حديد.. هي سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، أم الشيوخ وأم الإمارات.

واليوم حين تكرمها إحدى المجلات العالمية بتسمية سموها شخصية العام للمرأة القيادية عربيا، فهذا لا يأتي من فراغ وإنما هو شهادة حق على سجل ناصع من الإنجازات، وإضافة أخرى لمسار طويل من تقدير العالم لهذه الشخصية القيادية النسائية العالمية بامتياز، ولا أدل على ذلك من قاعة الجوهرة في مبنى الاتحاد النسائي العام، التي تضم أكثر من 500 وسام وميدالية ودرع تكريمية منحت لسموها على مدار سني عطائها المديدة..

وكيف لا تكون أم الإمارات وأم الشيوخ كذلك، وهي التي نذرت نفسها وعمرها لخدمة هذه الدولة وشعبها ورعاية بانيها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتنشئة سمو الشيوخ أبنائه الميامين، وهي لم تقف عند ذلك الحد، بل كانت شريكته رحمه الله في مسيرة بناء الدولة والاتحاد، ورفيقة دربه في تنشئة أبناء الوطن وتيسير سبل الحياة والرفاه لهم.

لعل أجمل ما في حديثنا عن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، أنك لا تجد لها صورة لا فوتوغرافية ولا تلفزيونية ولا تجد صورها تملأ الصحف وأغلفة المجلات، لكنك تجد بصماتها الخيرة في كل مكان. لا نتحدث هنا عن تقاليد وأخلاقيات أهل الإمارات فقط، بل نتجاوز ذلك إلى صفات القادة وصناع التاريخ؛ من التواضع والزهد في الشهرة والأضواء وبريقها.

وقد كان بإمكان سموها لو أرادت أن تتصدر صورها وسائل الإعلام، لكنها اختارت ما هو أبقى وأنجع، أن تتحدث عنها إنجازاتها. التاريخ أيها السادة لا تصنعه أغلفة المجلات، وإنما إنجازات من هم في عزيمة وتصميم أم الإمارات.

وهذه الإنجازات هي في الواقع قصة نجاح طويلة لامرأة نقشت في الصخر لتروي للتاريخ والمستقبل كيف نجحت المرأة الإماراتية، وكيف كانت شقيقة الرجال؛ الأم والأخت والابنة والزوجة، في مسيرة وطن بُني على حلم.

لقد ساهمت «أم الإمارات» مع زوجها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في رحلة تحقيق الحلم للمواطن والوطن، منذ توليه رحمه الله مسند الإمارة عام 1966 ثم رئاسة الدولة بعد تأسيس الاتحاد، فضربت المثل لبنات الإمارات في الجد والبذل والتضحية، حيث قدرت طبيعة المسؤوليات الملقاة على عاتقها كزوجة للرئيس المؤسس (سيدة أولى)، وأهمية الدور الذي ستلعبه بهذه الصفة محليا وإقليميا ودوليا.

ولذلك سعت إلى تعظيم وتعزيز قدراتها الذاتية، من خلال دراستها للقرآن الكريم وتفسيره وأصول الفقه والحديث النبوي الشريف، ودرست مجالات مختلفة في الآداب والعلوم الإنسانية، كما أولت اهتماما خاصا للبحث في موضوعات التاريخ والسياسة وأصول الدبلوماسية.

ومن يدرس سيرة سموها وإنجازاتها وطنيا ودوليا منذ عام 1966 وحتى اليوم، لا بد أن تستوقفه بشكل خاص، الطبيعة النوعية ومستوى القيمة المضافة في أعمالها، أطال الله في عمرها، حيث تتضح لنا ثلاثة مسارات أساسية في البرامج والمبادرات والمؤسسات التي أطلقتها سموها.

المسار الأول: تنمية المرأة الإنسان، حيث نلحظ هنا اهتمام سموها بتنمية قدرات وإمكانيات المرأة ككل، سواء من حيث التعليم أو التمكين أو الحماية القانونية، دون الوقوع في فخ البهرجة الغربية التي تختصر المرأة في المظهر، بعيدا عن الجوهر. كما أن سموها حرصت، رعاها الله، على عدم الفصل بين تنمية المرأة وتنمية الأسرة التي تشكل المرأة فيها واسطة البيت وعماده.

ولذلك نجد أن سموها مثلما سعت لتأسيس الاتحاد النسائي العام على مستوى الدولة وجمعية نهضة المرأة الظبيانية على مستوى الإمارة، فإنها سعت أيضا لتأسيس مؤسسة التنمية الأسرية والمجلس الأعلى للأمومة والطفولة، ومعلوم حجم وطبيعة الزخم الإيجابي الذي تنتجه هذه المؤسسات على مستويات عديدة.

ولم تقف سموها عن حدود دولة الإمارات في هذا السياق، بل تجاوزتها بتفكيرها الإيجابي إلى العالم العربي ككل، لتكون مبادرتها هي الشعلة المؤسسة لمنظمتين عربيتين متوازيتين ومتكاملتين، هما منظمة المرأة العربية ومنظمة الأسرة العربية. وهذا هو إذن فكر سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك: لا امرأة دون أسرة، ولا أسرة دون امرأة.

المسار الثاني: الرعاية المسؤولة للطفولة، فقد أولت سموها اهتماما بالغا بالطفولة ورعاية الأطفال في الدولة وخارجها، من منطلق أخلاقي وإنساني حميد، خاصة وأن الطفولة السليمة هي بوابة المستقبل السليم لأجيال الغد.

وفي هذا السياق نلحظ تركيز سموها على ألا يقتصر الاهتمام بالطفولة على الجانب الصحي فحسب، وإنما تجاوز ذلك إلى جوانب تطبيقية مختلفة. فقد ترأست سموها في وقت مبكر مؤتمرا متخصصا حول التحديات التي تواجه أطفالنا في العصر الجديد (عصر العولمة)، وأطلقت منذ أكثر من 14 عاما صندوقا أمميا لرعاية الأمهات والأطفال اللاجئين، وفي بدايات انطلاقة الطفرة الإعلامية في الدولة أواخر الثمانينات، كانت سموها تستضيف ندوة دولية عن أهمية الإعلام والاتصال في التوعية بصحة الطفل.

وبنفس الهمة والعزيمة وجدناها في أحداث غزة الأخيرة تتكفل، بقلب الأم الرؤوم، برعاية أسرتيْ وأطفال المسعفين الفلسطينيين اللذين استشهدا أثناء الأحداث. المسار الثالث: الريادة والقيادة الإنسانية، فقد أنعم الله سبحانه وتعالى على سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك بالقدرة على تقديم النموذج الريادي والقيادي، الذي يحتذي به الآخرون ويستفيدون منه في ما يتعلق بالمبادرات الإنسانية والتنموية، ومن الجلي هنا أن ريادة سموها شملت مختلف المستويات التي يمكن لسموها أن تحدث تأثيرا إيجابيا ملموسا فيها.

فمن مبادرتها بتأسيس شواطئ خاصة بالسيدات في العاصمة أبوظبي، وهي المبادرة التي انتقلت لبقية إمارات الدولة ثم منطقة الخليج، إلى قيادتها لعدد من المؤتمرات التأسيسية حول أوضاع المرأة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.

مثل مؤتمر الرباط عام 1977 ومؤتمر تونس عام 1993 ومؤتمر لارنكا عام 1999، مرورا بالمنظومات التنسيقية الإقليمية مثل لجنة تنسيق العمل النسائي في الخليج، كان لسموها الدور الاستشرافي الريادي الأبرز، ليس فقط في التأسيس وإنما في التوجيه والتخطيط المستقبلي على المستوى الاستراتيجي كذلك.

الواقع أن هذه المسارات الثلاثة، وما يدور في أفلاكها من تجارب غنية لسموها، صاغت مسيرة ثرية من «العطاء الفاطمي المبارك»، مستلهما بنبراس من حكمة زايد الأب والشيخ والزوج، الذي كان دائما حريصا على تمكين ابنة الإمارات، وهي الرسالة التي أدركت مغزاها جيدا سمو الشيخة فاطمة، كيف لا وهي التي كانت تسمعه يقول: «إن المرأة ليست فقط نصف المجتمع من الناحية العددية، بل هي كذلك من حيث مشاركتها في مسؤولية تهيئة الأجيال الصاعدة وتربيتها تربية سليمة متكاملة»، ويقول: «إن المرأة هي المسؤولة الأولى عن الأسرة وتعليمها أسس الحياة، وتثقيفها هو من أهم الأشياء التي يقوم عليها العمل النسائـي في الدولة».

قلنا إن سموها اتصفت بالإرادة الحديدية والقلب الذهبي، ولذلك حكاية طويلة لا تبدأ عند مثابرتها وسعيها لتحقق الأهداف التي وضعتها نصب عينيها باعتبارها رفيقة درب الشيخ زايد، وهذه مهمة جليلة ومسؤولية عظيمة في حد ذاتها، وصولا إلى دورها وتجربتها الأهم في رعاية وتربية وتنشئة أبنائها سمو الشيوخ الكرام..

وهل لك اليوم أن تتعرف على أبناء عظام كرام أمثال الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي، وأشقائه الكرام سمو الشيوخ حمدان، وهزاع، وطحنون، ومنصور وعبد الله وشقيقتيهم - حفظهم الله جميعا - دون أن تدرك عظمة الأصل الذي انبثقوا منه، بالأبوين الكريمين المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأم الإمارات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك أمد الله في عمرها ومتعها بموفور الصحة والسعادة.

ولا تتوقف عطاءات سموها، فهي حتى عندما تبرعت ببناء مسجد يخدم منطقة واسعة في عاصمتنا الحبيبة، اختارت له تصميما هندسيا يذكرنا بأزهى أيام حضارتنا العربية الإسلامية أيام الرشيد والمأمون والمعتصم، فها هو مسجد الشيخة فاطمة بنت مبارك يزين فضاء مدينة محمد بن زايد بمئذنته الملوية، شاهدا على حضارة آل نهيان تجدد حضارة بغداد وتعيد أمجادها، وليكمل مع مسجد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان شعاعا متألقا من العطاء وعمل الخير.

إن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك مدرسة في القيادة الإنسانية، واختيارها على رأس الشخصيات القيادية النسائية في منطقتنا العربية لا يأتي من فراغ، فها هي آلاف المواقف تشهد على ذلك.

Email