هل يكرهوننا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك تساؤل مطروح حول حقيقة مشاعر شرائح كثيرة من الشعوب العربية تجاه الخليجيين، ولذلك يطرح التساؤل؛ هل يكرهوننا؟ وهنا نتكلم عن نسبة ربما ملموسة وليس الكل، ولكن هناك إشكالية ربما في التواصل أو في النظرة الجمعية لدى شرائح متعددة من الشارع العربي تجاه الخليجيين. وهذه المقالة ليست للتصيد أو لاحتساب نقاط على طرف أو آخر، بل هي لمناقشة إشكالية قد تكون في طريقة التواصل والفهم المتبادل بين الشعوب.

ويبدو أن الخليجيين يفتقدون للاستراتيجية التي تجعلهم يصلون للشعوب، فرغم أن الخليجيين يلعبون الدور الأكبر في مساعدة الشعوب العربية ويستوعبون داخل بلدانهم أعداداً هائلة من العرب الذين يضخون الحياة في اقتصاد بلدانهم من خلال التحويلات المالية الضخمة، إلا أن الأحداث تكشف أن هناك انطباعات سلبية عند بعض العرب عن الدول الخليجية. وكشفت أحداث مهمة مثل احتلال الكويت عن وجود هذا الشرخ في العلاقات الشعبية، فرغم أن الكويت كانت الضحية في تلك الأزمة، إلا أن التعاطف كان مع الجلاد وليس مع الضحية.. وهناك مواقف كثيرة تتكرر تطرح نفس التساؤلات.

الخليجيون لهم مواقف إيجابية كبيرة تجاه الدول العربية، ومن يقرأ أرقام المساعدات التي قدمتها الدول الخليجية للدول العربية، يدرك الالتزام الأخلاقي الخليجي تجاه أشقائهم العرب. فالسعودية هي الدولة الأولى في العالم، في مجال منح المساعدات الخارجية بالنسبة إلى إجمالي الناتج القومي الوطني، ففي حين أوصت الأمم المتحدة الدول المانحة للمساعدات بألا تقل نسبة ما تقدمه من مساعدات عن 0.7% من دخلها الوطني، قدمت السعودية بين عامي 1973 و2000 مبلغ 283 مليار ريال، أي ما نسبته 4% من الناتج القومي، وكانت الحصة الأكبر تذهب للدول العربية.

وبلغت المساعدات السعودية الخارجية خلال 24 عاماً 252 مليار ريال (67.2 مليار دولار)، منذ 1990 وحتى إبريل 2014. كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة احتلت المرتبة الأولى عالمياً، كأكثر الدول المانـحة للمساعدات الإنمائية الرسمية »أو دي أيه«، مقارنة بدخلها القومي الإجمالي لعام 2013، محققة قفزة تاريخية في مجال منح المساعدات الخارجية، الأمر الذي صعد بها من المركز 19 في عام 2012، إلى المركز الأول عام 2013.

ورغم أن الخليجيين يحجمون عادة عن الحديث عن حجم مساعداتهم لأشقائهم العرب، من منطلق موروث اجتماعي في عدم الحديث عن المساعدات حتى لا تبدو كمنة على الآخرين، فإن المساعدات الخليجية بأرقامها الضخمة كانت تتجه عبر القنوات الحكومية، وبالتالي يدور حديث حول كيفية استخدام هذه الأموال، ويتساءل البعض هل كانت تصل للقاعدة الأكبر، أي للشعوب، أم أنها تتعرض لـ»ريجيم« قاس ٍفي أرقامها! فالفساد في الدول العربية من أكبر المعدلات العالمية، ولذلك ربما يجهل كثيرون من أبناء تلك الدول حقيقة المساعدات التي توجه لبلدانهم.

فالدول الأجنبية حينما تقدم المساعدات تحرص على متابعة مسارها وتحدد مجالها، فإذا حققت مشاريع ملموسة مثل مستشفيات أو مرافق عامة، فهي تضع لوحة توضح اسم الدولة المتبرعة أو يتم توثيقها للجهور المستفيد منها. وهذه طريقة شفافة لمعرفة مسار المساعدة، ولمعرفة هل تصل الرسالة إلى الشعب وتبقى للأجيال علامة ثابتة.

والدور الخليجي تجاه الأشقاء العرب لا يقف عند حدود المساعدات المالية والعينية، بل في المواقف السياسية، حيث جرت العادة أن الخليجيين هم العراب في مشاريع الصلح بين الدول العربية وحل الخلافات السياسية، وما أكثرها. واعتادت الدول العربية أن ترمي بنظرها للخليجيين عند أي خلاف سياسي، باعتبار أنهم يملكون علاقات إيجابية مع كل الأطراف، وبالتالي لهم قدرة في التأثير لحل الخلافات.

فعلى سبيل المثال، لعبت السعودية دوراً سياسياً في حل الخلافات العربية، ومنها الخلاف المصري السوري، الخلاف العراقي السوري، الخلاف الليبي المصري، الخلاف المصري السوداني، الخلاف الجزائري المغربي، الخلاف المغربي الموريتاني، الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني...ومسلسل طويل من الخلافات التي تطلبت جهدا ومتابعة سياسية.

ونفس الحال ينطبق على دولة الإمارات التي كانت تبادر بحل الخلاف والدعم من أجل تنقية الأجواء العربية، والتاريخ يذكر للشيخ زايد رحمه الله دوره الشخصي واستنهاضه للنخوة والاخلاق العربية، في تسوية الخلافات ودعم العلاقات العربية البينية. وهذا الحال ينطبق على كل دول الخليج التي لم تكن لمبادراتها السياسية في حل الخلافات العربية أجندة مصالح خاصة، بل كانت تنطلق من موقف عربي تمتزج فيه الأصالة العربية والأخلاق الإسلامية والمصلحة السياسية في وجود موقف عربي موحد..

وهذه مبادرات مهمة توثيقها للتاريخ وللأجيال.

والدول الخليجية بدأت تتجه الآن لنظام جديد تتحد فيه نوعية المساعدة والجهة المستفيدة، في سبيل ضمان تحقيق أهداف المساعدات.

ويفترض أن تكون هناك شفافية في التواصل بين الشعوب العربية، يلعب فيها الإعلام دوراً مهماً في توضيح الصورة وتقريب الشعوب. الآن تطور الدول الخليجية دورها السياسي وتلعب أدواراً فاعلة وربما حاسمة في أوضاع بعض الدول العربية، مما يجعلها تتعرض لهجوم إعلامي من أطراف ترى في هذه الأدوار إضراراً بمصالحها، الأمر الذي يتطلب من الدول الخليجية دوراً أكبر في التواصل والشفافية في المساعدات، وربطها بقنوات تصل للمستفيدين مباشرة.

الشعوب العربية مهما اختلفت في أوقات نتيجة مواقف سياسية، فهي تظل عاطفياً واجتماعياً نسيجاً واحداً وبعيدة عن الكره والحقد، يربطها التاريخ واللغة والمستقبل. فالحكومات والتباينات السياسية أمر مؤقت، وما يدوم هو الخيارات المصيرية التي تجعل لهذه الشعوب تاريخاً مشتركاً ومستقبلاً واحداً.

Email