«لو كان ذا بشرة بيضاء»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تطورات ثلاثة مهمة بعد أحداث فيرجسون، اثنان منها في حدثين لا يقلان مأساوية عما جرى للفتى مايكل براون. الأول جرت وقائعه في ولاية أوهايو، والثاني في ولاية ساوث كارولينا. أما التطور الأول فهو أن وزارة العدل قد قررت أن تفتح تحقيقا فيدراليا فيما إذا كانت الحقوق المدنية لشاب أسود قتل في أوهايو على يد الشرطة قد انتهكت بعد أن كانت السلطة المحلية قد برأته.

والتطور الثاني أن شرطة ولاية ساوث كارولينا قررت طرد ضابط أطلق الرصاص على رجل أسود بعد أن امتثل لأمره وهو يخرج رخصة القيادة. أما التطور الثالث فقد شهدته فيرجسون نفسها بعد أن كادت تنفجر الأسبوع الماضي من جديد حين قدم قائد الشرطة أخيراً اعتذاراً علنياً لأسرة الفتى المقتول مايكل براون.

أما التطور الأول فهو مرتبط بما جرى في مدينة ديتون بولاية أوهايو في أغسطس الماضي، وقبل أحداث فيرجسون بالمناسبة.

فقد كان جون كروفورد، البالغ من العمر 22 عاما، قد استوقف سيارته أمام أحد أفرع متجر وولمارت الشهير. ودخل المتجر وهو يتحدث في هاتفه النقال، وظل يتنقل بين أروقة المتجر حتى وصل إلى رواق تعرض فيه أنواع مختلفة من الأسلحة للبيع، فحمل بندقية من البنادق المعروضة ومضى مستكملاً سيره قليلاً.

ويشير الفيديو الخاص بالمتجر الذي استخدم لاحقاً كدليل، إلى أن جون كروفورد كان يتحدث في الهاتف طوال الوقت وهو يتجول ثم وقف في مكانه بين الأروقة والهاتف في إحدى يديه والبندقية في يده الأخرى يهزها بين الحين والآخر، وهي حركة تلقائية يأتي بها أي شخص يتحدث في الهاتف وذهنه شارد. لكن تلك الدقائق الشاردة كانت نهاية حياة الشاب.

إذ كان هناك من اعتبرها تستحق القتل! فقد تبين أن من بين من مروا بالشاب في تلك الأثناء من شك في أمره لأنه صاحب بشرة سوداء فاتصل بالشرطة وقال كذباً إن الشاب يوجه السلاح إلى وجه رواد المتجر، وإن السلاح به رصاص، فجاء شرطيان واقتحما المتجر بسرعة ولم يمهلا الشاب وأطلق أحدهما عليه رصاصتين فأردتاه قتيلاً، رغم أن شريط الفيديو يشير بوضوح إلى أن الشاب كان يقف وحده في ذلك الرواق ولم يوجه السلاح تجاه أحد، ثم تأكد فيما بعد بما لا يدع مجالاً للشك أن السلاح كان فارغاً من الرصاص.

وقد تشكلت وقتها هيئة محلفين في مدينة ديتون للبت في أمر الضابط الذي أطلق الرصاص على جون كروفورد، حيث أحيل إلى إجازة بدون مرتب لحين البت في أمره. لكن هيئة المحلفين يتم تشكيلها وفق التكوين الديمجرافي للمدينة.

ومدينة ديتون يبلغ عدد سكانها البيض حوالي 88 % بينما لا يزيد عدد السود فيها على 2,5 %. ومن هنا صدر قرار المحلفين بعدم اتهام الضابط بالقتل ولا حتى بالإهمال، واعتبرت الهيئة أنه كان «لديه ما يبرر ما فعله».

لكن والد جون كروفورد اتهم الضابط بأنه لم يعط ابنه أية فرصة للاستسلام بسبب لون بشرته، وأنه كان يطلق عليه الرصاص وهو يطالبه بالاستسلام. وقال عن ابنه «لو كان ذا بشرة بيضاء لكان حياً يرزق»

إلا أن وزارة العدل الفيدرالية قررت فتح تحقيق فيدرالي فيما إذا كانت الحقوق المدنية لجون كروفورد قد انتهكت. وهي بالنسبة للأب المكلوم صارت الملاذ الأخير للحصول على حق ابنه المغدور. وهو بالمناسبة القرار نفسه الذي اتخذته وزارة العدل بالنسبة لقضية مايكل براون.

أما التطور الثاني فقد جرت وقائعه في بداية الأسبوع الثاني من سبتمبر في ولاية ساوث كارولينا. فقد تعرض رجل أسود آخر لإطلاق النار من جانب رجل بوليس رغم أنه كان يمتثل لأمره.

كان ليفار جونز الذي قاد سيارته إلى محطة وقود قد استوقفه أحد رجال الشرطة وطلب رخصة القيادة، فبحث جونز عنها في جيبه فلم يجدها فأمره رجل الشرطة بإحضارها من السيارة، وما إن همّ جونز بإحضارها كما اؤتمر حتى أخذ الشرطي في الصياح وإطلاق الرصاص الكثيف عليه، فأصابه.

وقد سجلت عدسات الفيديو الواقعة بالكامل وهو ما أدى في النهاية لفصل الضابط الذي ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان سيحاكم أم لا.

وقد وقع هذا التطور في الأسبوع نفسه الذي كادت فيه الأحداث في مدينة فيرجسون تنفجر من جديد بعد أن استيقظت المدينة لتجد النار وقد اشتعلت في أحد النصب التذكارية التي أعدها سكان المدينة للفتى مايكل براون. وهو ما تلاه مباشرة التطور الثالث هذا الأسبوع عندما خرج قائد الشرطة وقدم اعتذاراً علنياً لأسرة مايكل براون.

والتطورات الثلاثة ذات دلالة مهمة. فالتحقيقات التي تجريها وزارة العدل تمثل أهمية لأن الحكومة الفيدرالية كانت تاريخيا الملاذ الحقيقي للسود من ظلم حكومات الولايات، سواء كان ذلك بعد إلغاء العبودية أو حتى بعد إرساء قوانين الحقوق المدنية.

والقيام بطرد أحد الضباط الذي أطلق الرصاص على أحد السود من شأنه أن يعطي رسالة بوجود حساب ما لمن يعتدي على حياة السود في نهاية الأمر. أما الاعتذار الذي قدمه قائد الشرطة فمن شأنه أن يمثل اعترافاً بأن خطأ قد ارتكب في حق مايكل براون.

لكن يظل السؤال، هل تهدئ تلك التطورات من روع الأمهات السود اللائي صرن يشعرن بالذعر خوفاً على أبنائهن من الذكور من الموت؟

 

Email