المرأة والإعلام .. الصورة الأخرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحالة الثقافية لأي أمة هي انعكاس للحالة العامة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما أنها ترتبط بمحيطها صعودا وهبوط، كما أنها عنوان لدرجة تحضر الشعوب.

كما أن تراجع الشعوب عبر التاريخ لم يكشف عنه الحالة الاقتصادية بقدر ما ظهر جليا من خلال التراجع الثقافي، كما أن الارتقاء الثقافي بالأمم هو الضامن لها والباقي حتى في أصعب اللحظات والحافظ لمكتسباتها، كما أنها الكاشف لطبيعة القضايا التي تشغله.

ولا شك أن دور المؤسسات الثقافية في الدولة هي إدارة حالة من النقاش في بيئة مواتية يدلي فيها المختصون وأصحاب الرأي والمعنيون برأيهم حول القضايا المجتمعية التي تهم مختلف أطياف المجتمع، وهو ما يساعد على الوصول إلى رأي عام وطني يتم تبنيه على أساس من المصلحة العامة.

لذا فإن عقد ملتقى الفجيرة الإعلامي في نسخته الخامسة، برعاية سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، تحت عنوان «المرأة والإعلام .. الصورة الأخرى» ليكشف عن واقع تناول ومعالجة وسائل الإعلام العربية لقضايا المرأة وصورتها المقدمة من خلاله.

وفي تقديري إن المرأة العربية لها واقعان أحدهما معاش والآخر مقدم من خلال وسائل الإعلام، أي مصنوع في كلمات أخرى، فإن واقع المرأة الإعلامي، وبخاصة في الدراما التلفزيونية والسينمائية، لم يتناول واقعها المعاش وجفاه في كثير من الأحيان.

وقد يرجع ذلك إلى أسباب متعددة في مقدمتها الجوانب التجارية لصناعة الدراما، التي تفرض شروط السوق بمنطق الربح والخسارة، فضلا على أن الدراما لا تعكس الواقع في كل الحالات لكنها تتجاوز هذا الواقع إلى نوع من الخيال،.

وهو ما يجعل من تولي امرأة لمنصب في القضاء أو عميدة لكلية جامعية أو طبيبة متميزة أمراً ليس ذا بال، في حين أن قيام امرأة بممارسة أعمال السحر والشعوذة ينال الكثير من الاهتمام وإلقاء الضوء، وأنا هنا لا ألتمس المبررات والأعذار للأداء الإعلامي.

غير أن هذه النظرة في التعامل ترجع إلى غلبة الطابع التجاري على الرسالة الإعلامية والتعامل معها كسلعة تخضع لمنطق السوق الذي يتطلب جذب انتباه الجمهور دائما والحفاظ عليه من خلال تقديم القصص المثيرة والطريفة والغريبة أحياناً.

وهنا بيت القصيد والعلة التي يجب أن يبرأ منها الإعلام العربي، التي تتمثل في السياسة الإعلامية التي يجب اتباعها من منطلق أن منطق السوق في تناول قضايا المرأة، والشائع في الغرب، قد يكون غير مناسب في بيئتنا العربية بما لها من خصائص مختلفة.

لذا فإن تكريس صورة المرأة العربية بالمنطق التجاري يظلم المرأة ويجافي الحقيقة ويتجاهل ما حققته من إنجازات وما اقتحمته من مجالات كانت حكرا على الرجل حققت فيها تميزا وإثباتا للذات للدرجة التي تصبح فيها الدندنة على مظلومية المرأة في المجتمعات العربية أمراً لا يخدم قضايانا الوطنية.

وأستشهد هنا بما أبانه الأستاذ إبراهيم العابد، الأمين العام للمجلس الوطني للإعلام، ضارباً المثال بوضع المرأة الإماراتية في المجال الذي يعنيه وهو الإعلام، ويمكن القياس على مختلف المجالات، حيث أكد كيف أنه تعددت المسؤوليات التي أسندت للمرأة في أرفع درجاتها نتيجة طبيعية لإيمان القيادة السياسية، بدءاً من المؤسسين وإلى الآن، بأهمية دور المرأة في المجتمع.

وأنها تمثل قوة نوعية ورصيداً استراتيجياً وطاقة لا يجوز تعطيلها، لذا فقد شكلت المرأة نسبة مرتفعة كمسؤولة في الصفوف الأولى في المجال الإعلامي، وآية ذلك، كما أبان الأستاذ إبراهيم العابد، أن مديرة نادي دبي للصحافة، بما له من دور في إثراء الحياة الثقافية والإعلامية، امرأة، كما أن الرئيسة التنفيذية لهيئة المنطقة الإعلامية في أبوظبي ودبي ومديرة المكتب الإعلامي لحكومة دبي امرأة.

كما أن رئيسة تحرير مجلة «زهرة الخليج» و«جلف توداي» ومجلة «كل الأسرة» كلهن من السيدات الفاضلات، اللواتي أثبتن جدارة واستحقاقاً، وهو ما دفع أم الإمارات، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، إلى التأكيد بالقول: «إن ابنة الإمارات لم تعد منشغلة بممارسة حقوقها ولا المطالبة بها.

وإن مفهوم تمكين المرأة في الإمارات لم يعد مصطلحاً أو مفهوماً نظرياً، إنما تحول إلى واقع عملي ومشاركة فاعلة من جانب المرأة في مختلف المجالات وعلى كافة الصعد».

والحق أن وسائل الإعلام الوطنية في دولة الإمارات قد ساهمت إلى حد كبير في إلقاء الضوء على إنجازات المرأة الإماراتية وما حققته من إسهامات في مجالات مختلفة، وتقديم نماذج نسائية ناجحة في مجالات شتى عبر التغطيات الصحفية والإذاعية، غير أن الجانب الأكثر تأثيرا والأبقى في ذاكرة المشاهد هي الدراما التليفزيونية التي مازالت بعيدة عن رصد هذا الواقع.

ومازالت تعتمد على تقديم المرأة باعتبارها نموذجاً لا يستخدم فكره وجهده بقدر ما تستخدم أنوثتها، كما أنها تتواكل في إدارة شؤون بيتها وتربية أولادها على غيرها من الخادمات، مكتفية بمتابعة أحدث الصيحات في جولات التسوق، التي تقترن حتما بالإفراط والتبذير، وحين تقارن بغيرها من النساء تكون النتيجة غالبا في غير صالحها، وكأننا في الدراما نحذر شبابنا من الاقتران بها.

إن المرأة كانت ولم تزل شريكة الرجل في رحلة البناء كتفاً بكتف وذراعاً بذراع، كما أنها كانت دوماً تلك التي تحملت مسؤوليتها في تربية أجيال، ثم هي لها من المكانة ما يجعل الابن، مهما حمل من شهادات وتقلد من مناصب، يخفض الصوت حين يتحدث إليها، وهي الابنة التي لا يتردد الأب في تلبية حاجاتها.

لأنه «ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم»، وهي الجامعية التي تفوق نسبة حضورها الطلاب، وهي الطبيبة البارعة والمخترعة الفذة والأديبة الأريبة وسيدة الأعمال وأستاذة الجامعة المتميزة.

وقبل ذلك هي الأم الحنونة الحكيمة التي تلتف حولها الأسرة ولا تطيب الحياة بدونها.. تلك هي الصورة الأخرى التي لا يراها الإعلام في كثير مما يقدمه، وحرص ملتقى الفجيرة الإعلامي على إلقاء الضوء عليها.

 

Email