صورة زايد التي حلّقت بالباز

ت + ت - الحجم الطبيعي

في استراحة الضيوف بمركز الأخبار التابع لمؤسسة دبي للإعلام، وقبل الدخول إلى الاستوديو لتسجيل حلقة برنامج «قابل للنقاش» التي بثت مساء الخميس الماضي على قناة دبي الفضائية، سألت عالم الفضاء الدكتور فاروق الباز: هل تعتقد أن هذا هو الوقت المناسب، كي تعلن دولة الإمارات عن إنشاء وكالة للفضاء، وتخطط للوصول إلى المريخ، والعالم العربي يموج بكل هذه الفوضى التي تهدد مستقبله؟

فكان رده على الفور: بل هذا هو أنسب وقت للإعلان عن مشروع مثل هذا، لأنه يشعل شمعة وسط الظلام الذي يخيم على الوطن العربي، كما أنه يمثل حافزا للجيل الناشئ من أبناء الإمارات وغيرهم، لخوض غمار البحث العلمي وارتياد الفضاء وعلومه.

ثم امتد الحوار بعد ذلك لنتفق على أن الذي أوصلنا إلى هذه الحالة من التردي هو الجهل الذي دفع الشباب إلى اعتناق أفكار متطرفة، والانخراط في تنظيمات إرهابية، وجماعات تلغي عقول الشباب وتغازل عواطفهم، دافعةً بهم إلى العنف، فلو أن الحكومات العربية اتجهت خلال العقود الماضية إلى طرح وتبني مشاريع علمية مثل هذه.

وعملت على تهيئة الشباب وتشجيعهم على الانخراط فيها، لما وجدوا وقتا للانحراف، ولا وجدت هذه الجماعات مناخا للازدهار والنمو، ولا تغولت وسيطرت بأفكارها الظلامية المتخلفة على عقول الشباب وأفئدتهم، ومضت تنشر الخراب والدمار في كل مكان، وتصدِّر الإرهاب إلى العالم، مشوهة صورة الإسلام الذي جاء مخاطبا العقل، من لدن خالقٍ: «علّم الإنسان ما لم يعلم».

ما إن بدأ تسجيل الحلقة، حتى فاجأته مقدمة البرنامج الزميلة نوفر رمول، بصورة قديمة تجمعه بالمغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومجموعة من رواد الفضاء، حول مجسم لمركبة فضائية.

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه عالم الفضاء العربي، وسأل عن مصدر الصورة التي قال إنه يراها للمرة الأولى، رغم أنه يتذكر تاريخها ومناسبتها جيدا، وعاد بنا أربعة عقود من الزمان، متذكرا أول لقاء جمعه بمؤسس الدولة، طيب الله ثراه، عام 1974.

حيث لاحظ اهتمامه البالغ برحلات الفضاء، الأمر الذي جعل الدكتور الباز يرشح دولة الإمارات لتكون إحدى محطات جولة قام بها عام 1976 مجموعة من رواد الفضاء، حيث التقطت الصورة.

ويعود تاريخ الصورة إلى 12 مارس 1976، عندما استقبل، رحمه الله، الدكتور الباز ورواد الفضاء الذين نزلوا الى أرض القمر.

وبعد أن قدم، رحمه الله، دعماً سخياً لبرامج «ناسا» وأنشطتها التي تفيد الإنسانية، أعرب أنه وشعب الإمارات يسعون الى الحصول على كل ما يساعدهم على النهوض بدولتهم وغيرها من دول العالم الشقيقة والصديقة، ومنها الاستفادة من علوم الفضاء.

هل كان الشيخ زايد، رحمه الله، يفكر في ارتياد الإمارات للفضاء، والوصول إلى ما هو أبعد من القمر في ذلك الوقت؟ وهل كانت اللقطة التي جمعته برواد الفضاء، وجعلت الدكتور الباز يحلق بنا عائدا إلى ذلك التاريخ أكثر من مجرد صورة؟

وكم هو عدد الحكام العرب الذين قابلهم الدكتور الباز والتقط معهم صورا لم تتحول إلى مشاريع، ولو حتى على الورق؟ وهل حقق أبناء زايد، رحمه الله، حلم مؤسس دولتهم بعد 40 عاما من تلك الصورة؟ أسئلة نطرحها ونحن نتأمل الصورة التي استدعت ذاكرة عالم الفضاء العربي وهو يحملها بيده.

لماذا كان ضروريا تحديد زمن للوصول إلى المريخ؟ يجيب الدكتور الباز: عندما خططت الولايات المتحدة للوصول إلى القمر في الستينيات من القرن الماضي، حدد الرئيس الأميركي الأسبق «جون كيندي» فترة زمنية لبلوغ هذا الهدف.

وكان قرارا صائبا، إذ لو لم يحدث هذا لما تمكن الأميركيون من إنزال أول إنسان على سطح القمر في 20 يونيو 1969.

وهذا ما فعلته دولة الإمارات، عندما حددت مدىً زمنيا لمشروع إرسال مسبار إلى الكوكب الأحمر، وبدأت على الفور الخطوات العملية لتنفيذه، عبر تأسيس وكالة فضاء إماراتية. وقد أكد الدكتور الباز في المحاضرة التي ألقاها يوم الاثنين الماضي في ندوة الثقافة والعلوم بدبي، أن رحلة دولة الإمارات للمريخ خطوة مستقبلية كبيرة، وحيّا قيادة الدولة على هذه الخطوة، مشيرا إلى أنها مبادرة

متميزة، فيها شجاعة وإيمان بالعقل البشري، وسوف تحفز شباب الإمارات على ارتياد مجال الفضاء، وتشجعهم على البحث العلمي، والتميز في المجالات العلمية والتكنولوجية.

في الأربعينيات من القرن الماضي توقع الكاتب والمخترع البريطاني «آرثر سي كلارك» أن يصل الإنسان إلى القمر بحلول عام 2000، وأعد دراسة تنبأ فيها بعصر تصبح الاتصالات فيه عبر الأقمار الصناعية، لكن الدراسة رُفِضت عندما عرض نشرها على مجلة اعتبرتها «حالمة» أكثر من اللازم.

فذهب «كلارك» ليعيش بقية حياته في العاصمة السريلانكية «كولومبو»، حتى توفي قبل خمس سنوات عن 90 عاما، بعد أن ألف نحو 100 كتاب عن الفضاء، من بينها روايات خيال علمي، أشهرها «2001 أوديسة الفضاء» التي تحولت إلى فيلم سينمائي أخرجه «ستانلي كوبريك»، هو الآن أحد كلاسيكيات أفلام الخيال العلمي.

الحلم مهم، والأهم منه هو الإصرار على تنفيذه.

هذا ما كنت أفكر فيه وأنا أهدي الدكتور الباز تسجيلا لحوار تلفزيوني أجريته معه في تلفزيون أبوظبي منتصف الثمانينيات، قال فيه كلاما عن ارتياد العرب للفضاء، بدا لي في تلك الأيام مثل الأحلام، لكنه يتحقق اليوم على أرض الإمارات التي لا يعترف قادتها وأبناؤها بالمستحيل إطلاقا.

 

Email