أميركا تحتاج روسيا لمحاربة الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان ينبغي أن يكون القرار بالتعاون لمحاربة المتشددين في الشرق الأوسط، لا يتطلب تفكيرا معمقا من الولايات المتحدة وروسيا، لكن حتى لو وضعت حاجزا للقفز العالي على الأرض، فإن بعض الناس سيجدون طريقة للتعثر به، ومن ثم الإصرار على التراجع إلى الوراء ثم التعثر مجددا.

كان كل شيء جاهزا لشراكة استراتيجية، فالقوات الخاصة للبلدين كانت تجري منذ فترة طويلة تدريبات مشتركة لمحاربة الإرهاب، وبعضها أقيم على الأراضي الأميركية في فورت كارسون قرب «كولورادو سبرينغز».

والألعاب الأولمبية الشتوية في فترة مبكرة من هذه السنة في سوتشي الروسية، والتي لا تبعد عن منطقة القوقاز الشمالية التي تعاني من الإرهاب، كان يفترض أن تشكل مبررا مثاليا لبدء التعاون التشغيلي، وبصورة خاصة إذا أخذت في الاعتبار جماعة «إمارة القوقاز»، وهي مجموعة متشددة أعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات مميتة في محطة قطار وحافلة، قبل فترة وجيزة من بدء الألعاب. لكن بدلا من العمل مع روسيا للقضاء على المشكلة، ذهبت إدارة أوباما في الاتجاه المعاكس.

لم تقم فقط بتعزيز مشكلة تشدد جديدة بالكامل، من خلال تبذير الموارد بشكل أعمى، وتدريب جماعات من المتمردين القادرين على حمل السلاح، بل قامت أيضاً بانعطافة تضليلية نحو قيمة مشكوك في تحصيلها على المدى الطويل في أوكرانيا، في محاولة تجافي الحقائق الجيوسياسية الصعبة، لإيجاد حصة اقتصادية أكبر للمصالح الغربية على حساب روسيا، من خلال انقلاب عسكري ساذج بشكل غريب. وفاتورة الغياب المزمن في التبصر الاستراتيجي لهذه الإدارة، ترجع إلى ما يلي:

- أذنت البنتاغون باستخدام الطائرات الاستطلاعية الموجهة عن بعد فوق الأراضي التي تسيطر عليها «داعش» (والتي تشمل سوريا)، استعدادا لضربات جوية ضد هذا العدو المشترك لكل من سوريا والولايات المتحدة وروسيا الآن. كم يبدو الأمر محرجا!

إنه كمحاولة إقناع أحدهم بأنك ترغب في جز العشب في حديقته بعد سنة من محاولتك إحراق منزله. ولقد اصدر وزير الخارجية السوري وليد المعلم تحذيره «اغربوا عن أرضي»، قال فيه إن «أي ضربة لا يجري التنسيق مع الحكومة السورية بشأنها ستعتبر بمثابة عدوان».

- استراتيجية أوباما أحدثت مثل هذه الفوضى في ليبيا، ولم تمض سنة بعد على قبول الولايات المتحدة باقتراح تقدم به رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان بتدريب 7000 جندي ليبي تقليدي، بالإضافة إلى قوات لمحاربة الإرهاب.

وكما كتبت في حينه، فإن توفير تدريب عسكري مباشر في دولة غير مستقرة أصلا، ليس الطريقة لتحقيق الاستقرار فيها. - عدا تحذيرها للولايات المتحدة بعدم ضخ المزيد من الموارد في المنطقة التي قد تقع في أيدي «داعش»، فإن روسيا كنت هادئة نسبيا حيال هذا الموضوع..

وهي تقوم بإرسال طائرات مقاتلة إلى العراق لمساعدة الحكومة العراقية المحاصرة في التعامل مع «داعش». ومن يستطيع أن يلوم روسيا؟ لقد قامت بتنظيف الفوضى التي سببها أوباما في سوريا، ولا تزال تتعامل مع الفوضى التي سببها أوباما في أوكرانيا.

والخيار المثالي للتعامل مع «داعش» كان يمكن أن يكون من نوع الجهد العسكري التعاوني نفسه بين الغرب وروسيا، الذي كان موجودا خلال الحرب العالمية الثانية (رغم مساهمة الولايات المتحدة بدرجة كبيرة في إيجاد داعش في سوريا في المقام الأول).

وحيث تذهب روسيا هذه الأيام، فإن الصين على الأرجح ستتبعها، وإن بشكل هادئ. وأي جهد تبذله الولايات المتحدة للاستفادة من قوة روسيا وأموال الصين في التعامل مع «داعش»، يجب أن يمر عبر روسيا، وسوف يتطلب صفقة كبرى على أوكرانيا تعالج العمليات والتمويل بشكلهما العلني والخفي على جانبي الصراع، لكن هذا يتطلب أولا انفراجا في العلاقات بين أوباما وقاعدته المتزعزعة.

 

Email