الكونغرس يتخلى عن مسؤوليته

ت + ت - الحجم الطبيعي

السرعة التي وافق بها الكونغرس على تمويل العمل العسكري الأميركي في المنطقة لا تعني بالضرورة موافقة المؤسسة التشريعية الأميركية على طبيعة ذلك العمل العسكري ومدته الزمنية ولا حتى موافقته على ما إذا كان الرئيس يملك أصلا صلاحية استخدام القوة في الخارج، فقد وضع الكونغرس العربة قبل الحصان.

وقبل أن ينصرف في عطلة، تنتهي في ديسمبر القادم، قرر في عجالة أن يعطي للرئيس ما يريد من تمويل ليبدأ العمل العسكري، على أن تتم مناقشة التفاصيل لاحقا حين يعود الكونغرس في ديسمبر.

المفارقة هي أن الذي سيعود في ديسمبر لن يكون الكونغرس الذي تم انتخابه في نوفمبر، وإنما الكونغرس نفسه المنتهية ولايته والذي سيكمل باقي مهامه حتى يتسلم الكونغرس الجديد المسؤولية في يناير 2015.

فوفقاً للاستراتيجية التي طرحها أوباما فإن الولايات المتحدة ستقوم بتوجيه ضربات جوية، وستقدم الدعم بالتدريب والعتاد للحلفاء، خصوصا الجيش العراقي والأكراد والمعارضة السورية، الذين سيتولون القيام بالهجوم البري، وهو الأمر الذي يتطلب تمويلا.

وبالتالي قام الكونغرس بمجلسيه بالموافقة على التمويل اللازم للعمل العسكري بواقع 273: 156 بمجلس النواب و78: 22 بمجلس الشيوخ. وقد تضمن مشروع القانون في المجلسين الموافقة على إنشاء برنامج جديد لتدريب المعارضة السورية.

والحقيقة أن الكونغرس وافق على تقديم ذلك التمويل رغم غياب الاتفاق داخله حول طبيعة العمل العسكري ومدته ونوعية حلفاء أميركا المحليين فيه بل وحول ما إذا كان الرئيس يمتلك أصلا الصلاحية الدستورية لشن ذلك العمل العسكري دون موافقة جديدة من الكونغرس.

فهناك خلاف حتى داخل الحزبين على ما إذا كان من الممكن أصلاً أن يقف العمل العسكري الأميركي عند حدود الضربات الجوية.

وقد أدت شهادة رئيس الأركان مارتن ديمبسي إلى تعقيد الأمور بالنسبة للرئيس. فما إن أدلى ديمبسي بشهادته حتى صدر عن البيت الأبيض والخارجية ما يكرر إصرار الرئيس على ما قاله في خطابه الأول من نيته عدم توريط بلاده في حرب برية جديدة.

والخلاف بين أوباما والعسكريين ليس جديدا وهو ما انعكس دوماً على الكونغرس وبدا واضحا في جلسات المجلسين الأسبوع الماضي. وما هي إلا ساعات حتى كان روبرت غيتس، الذي عمل وزيرا للدفاع في إدارة أوباما الأولى، يقول صراحة: إن القوات البرية ضرورة «إذا كان هناك أي أمل في النجاح».

وهناك في الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء من يختلفون مع الرئيس بشدة حول تسليح المعارضة السورية وتدريبها، وهناك من يريدون من الرئيس تحديد مدى زمني للعمل العسكري. وتلك مجرد بعض جوانب الخلاف داخل الكونغرس لا كلها.

بل أكثر من ذلك، فإن هناك في المؤسسة التشريعية الأميركية من يجدون أن أوباما لا يملك أصلا الصلاحية الدستورية للعمل العسكري ضد داعش ما دام الكونغرس لم يعلن الحرب صراحة، أو يصدر قانونا يفوضه باستخدام القوة العسكرية. أما الرئيس أوباما فاعتبر أن القانون الذي صدر في 2001 بعد ستة أيام فقط من 11 سبتمبر يعطيه تلك الصلاحية، فلا يحتاج لصدور قانون جديد.

فقانون 2001 نص على إعطاء الرئيس صلاحية استخدام القوة ضد «الدول والمنظمات أو الأشخاص الذين يعتبرهم يساعدون أو يخططون أو يرتكبون الأعمال الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 أو يؤوون تلك المنظمات أو الأشخاص، حتى يمنع أي عمل من أعمال الإرهاب الدولي في المستقبل ضد الولايات المتحدة».

والنص فضفاض بالفعل لايزال الكثيرون في الكونغرس يندمون على صياغته بذلك الشكل. وهو ماعبر عنه السناتور تيم كين في مقال نشر له مؤخرا في النيويورك تايمز، حين قال: «إننا في الكونغرس لا بد أن نتعلم الدرس المؤلم من وراء لغة استخدام القوة العسكرية..».

وإزاء كل ما تقدم، وافق الكونغرس فقط على تمويل العمل العسكري، بينما قرر مناقشة كل تلك المسائل بالغة التعقيد والأهمية في جلساته التي سوف تنعقد بعد الانتخابات التشريعية في شهر ديسمبر القادم. وهي الانتخابات التشريعية التي تدور فيها المنافسة حول كل مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ.

لكن رغم أن ثلث مقاعد مجلس الشيوخ فقط هي المفتوحة للمنافسة كل عامين، إلا أن الكونغرس الجديد المنتخب يكون كونغرسا جديدا تماما.

ومثلما هو الحال مع منصب الرئاسة حين يكمل الرئيس المنتهية مدته مهام عمله بعد انتخابات نوفمبر وحتى يتسلم الرئيس الجديد في يناير، فإن الكونغرس المنتهية مدته يفعل الشيء نفسه.

فهو يعود لمقاعده في ديسمبر حتى بأعضائه الذين انهزموا في دوائرهم فيكمل مهامه بما في ذلك التصويت على بعض القوانين، إلى أن يتولى الكونغرس الجديد في يناير.

بعبارة أخرى، بدلاً من أن يقول أعضاء الكونغرس كلمتهم اليوم بشأن العمل العسكري المقدمة عليه بلادهم ثم يذهبوا لمواجهة الناخبين ويتحملوا نتيجة قراراتهم، اختاروا «تسيير» الأمور، وإعطاء الرئيس التمويل اللازم لينفذ ما يشاء من قرارات ويتحمل هو نتيجتها لمدة شهرين، ليعود بعدها الكونغرس المنتهية ولايته ليقول كلمته ويرحل، ويترك للكونغرس الجديد الذي سيتولى في يناير المسؤولية بالكامل إزاء وضع جديد مغاير سوف يتشكل على الأرض!

 

Email