حين تعجز السياسة عن استثمار المقاومة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يكفي الشعور بالفرح أو إقامة الاحتفالات وإلقاء الخطب النارية، حتى يتحقق إنجاز يشهد على حالة الانتصار.

الفلسطينيون يحتفلون بانتصار المقاومة التي تميز أداؤها إيجابياً عن كل المواجهات السابقة، وككل الإسرائيليين أيضاً يتحدثون عن انتصارهم ونجاحهم في تحقيق ما أرادوا.

الاحتفال بالانتصار من قبل الفلسطينيين يتحول إلى حالة من الشعور بالرضى وبالكرامة، لكن العبرة في الاستثمار السياسي الذي جاء مخيباً للآمال.

من الواضح أن لا الأوضاع الدولية ولا الإقليمية والعربية هي في حال يمكّن المقاومة وروادها من الفصائل الفلسطينية، من أن تظفر بإنجازات حقيقية، تؤدي إلى تغيير واقع الحال البائس الذي يعاني منه سكان قطاع غزة، منذ أن فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات يناير 2006، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد ذلك.

اتفاق وقف إطلاق النار الذي أفضى إلى توقف العدوان في السادس والعشرين من الشهر المنصرم، ذلك الاتفاق لم يؤد إلى تحريك الأوضاع في القطاع المدمر، رغم ذلك من غير المرجح أن يبادر الفلسطينيون إلى إشعال الوضع مرةً أخرى.

وهم سيظلون في حالة انتظار ما تسفر عنه المفاوضات الاستكمالية التي ستجرى في القاهرة فيما تبقى من أيام هذا الشهر، والتي عليها أن تعالج قضايا المطار والميناء، والأسرى والجثث الإسرائيلية وموضوع إنهاء الحصار.

الإخفاق السياسي الفلسطيني في تثمير الدور الذي قامت به المقاومة، لم يكن سببه فقط الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية المجافية، بل أيضاً نواتج الانقسام الفلسطيني، الذي لم يفلح اتفاق المصالحة في إنهائه، كما أن تشكيل وفد وطني فلسطيني لإدارة المفاوضات على خلفية المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، ذلك الوفد جاء تشكيله بعد مرور أسابيع على العدوان وبعد أن فشلت محاولات الاستفراد بالملف من قبل حركة حماس.

في الحقيقة فإن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي سيعانيان من مآزق كبيرة، الطرف الفلسطيني يعاني من غياب الوحدة على استراتيجية وخيارات متفق عليها، ويعاني من ضغوط وشروط الدول التي رحبت بحكومة الوفاق ولكنها تشترط لتسهيل توحيد المؤسسات والتمثيل الفلسطيني الشامل، الالتزام بشروط الرباعية الدولية.

أما أزمة الإسرائيليين فهي في غياب البديل للتحالف اليميني الذي يزداد تطرفاً، ويرفض قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، ويمضي في خطته التي تستهدف عزل قطاع غزة ودفعه جنوباً، والسيطرة المتدرجة على الضفة الغربية.

أغلبية أعضاء التحالف الحكومي المتطرف في إسرائيل يصرون على رفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، ويصرون على تدمير البنية التحتية للمقاومة في غزة وإنهاء سيطرة حماس عليه بالقوة، ولذلك فإن الفجوة واسعة بين ما تقدمه إسرائيل وبين ما يمكن أن يقبل به الفلسطينيون.

إسرائيل تتصرف وكأن اتفاقية أوسلو لا تزال سارية المفعول، رغم أنها جردت السلطة من معظم صلاحياتها، فيما لا تجد السلطة الفلسطينية المزيد من الوقت للتعامل مع الاحتلال .

تداعيات العدوان على قطاع غزة، قد كشفت عن عمق الأزمة التي يعاني منها الوضع الفلسطيني، فالطريق إلى انتزاع الحقوق من خلال المفاوضات، يغلقه التطرف الإسرائيلي والتخاذل الأميركي، والطريق إلى المقاومة محفوف بالمخاطر ومكلف جداً بالنسبة للشعب الفلسطيني.

وعلى المستوى الداخلي، تتكشف عيوب المصالحة التي تم التوقيع عليها، والتي لم تتحرك خطوة واحدة أبعد من تشكيل حكومة الوفاق التي تعاني من عجز القدرة على ممارسة صلاحياتها ومسؤولياتها في قطاع غزة، خصوصاً بعد أن تضخمت أمامها المسؤوليات والأعباء، في ضوء الدمار الكبير الذي خلفه العدوان الإسرائيلي.

ويتضح أن الحوار الفلسطيني السابق، كان قد تجنب الإجابة عن الأسئلة المعقدة، مثل سؤال المقاومة وسلاحها، وسؤال قرار الحرب والسلام، وآليات تعاطي الحكومة مع المؤسسة المدنية والأمنية لحكومة حماس، وموظفيها، وسؤال التمويل المالي للأحزاب، وسؤال الشراكة في منظمة التحرير، بالإضافة إلى سؤال البرنامج السياسي والخيارات.

السؤال الأساسي والجوهري هو هل يستطيع الفلسطينيون الاتفاق على إجابات موحدة حول هذه الأسئلة، والتوجه نحو الأمم المتحدة ومؤسساتها كخط بديل، بحثاً عن حقوقهم وسعياً وراء محاسبة إسرائيل على ما ارتكبت من جرائم حرب؟

 

Email