الحروب بين الماضي والحاضر وفي المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو العالم الآن في حالة من التداعي، والمجانين من دول مثل كوريا الشمالية هم وحدهم الذين يتحدثون عن استخدام الأسلحة النووية ضد أعدائهم المفترضين، أما الآن فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أن انتزع القرم، يشير إلى ترسانته النووية، ويحذر الغرب من العبث مع روسيا.

ويمضي تنظيم «داعش» الإرهابي في قطع رؤوس أسراه وتهديد الغرب، وفي غضون ذلك يقر الرئيس الأميركي باراك أوباما للعالم بأننا: «ليست لدينا استراتيجية بعد» للتعامل مع مثل هذا التنظيم الإرهابي.

وفي وقت من الأوقات تباهى نائب الرئيس جو بايدن بأن عراقاً هادئاً بلا قوات أميركية، يمكن أن يكون «واحداً من الإنجازات الكبرى» للإدارة الأميركية، وهذا ليس ما يحدث الآن. وتبدو الصين واليابان غارقتين في عصر الثلاثينيات من القرن العشرين، فيما تتنازعان مجدداً حول أراض يحتدم الرأي بشأنها.

لم كل هذه الحروب الفجائية؟ نادراً ما تندلع الصراعات حول أرض نادرة تمس الحاجة إليها، وهو ما سماه أدولف هتلر ذات يوم «المجال الحيوي»، أو حتى حول الموارد الطبيعية، فروسيا الممتدة الغنية بالموارد الطبيعية، تعد محدودة السكان وتدار بشكل سيئ، وهي ليست بحاجة إلى المزيد من القرم وأوكرانيا، والجزر التي تتصارع حولها الصين واليابان هي في الغالب أملاك لا قيمة لها.

وغالباً ما تتصارع الدول حول رموز مميزة، ضخمها إحساسها بالشرف ومخاوفها من أن تتحول إلى قضايا وجودية.

يعتقد بوتين أن انتزاع مزيد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة سيجلب له المكانة التي كان ستالين يتمتع بها يوماً، فيما يرغب تنظيم «داعش» في أن يعيد الخلافة التي يرجع تاريخها إلى القرن السابع الميلادي.

لقد وصف الكاتب الأرجنتيني العظيم جورجي لويس بورغيس ذات يوم حرب فوكلاند، التي اندلعت بين بلاده وبريطانيا، على أنها قتال «بين رجلين أصلعين على مشط».

وفي الحقيقة أن بريطانيا مضت إلى الحرب بسبب صخور نائية تكتسحها الرياح، لكي تتمسك بالتقليد الأجوف الخاص بالبحرية البريطانية، وبفكرة أن الرعايا البريطانيين في كل مكان هم أشخاص لا يمكن المساس بهم، وقد استهلت الطغمة العسكرية الأرجنتينية الحرب للنزول قليلاً بمكانة بريطانيا.

ولكن الفظاعات حول الشرف أو جراء الخوف، لا تفضي على الدوام إلى حرب، والحاجة تمس إلى شيء آخر هو غياب الردع، فمعظم المعتدين يقومون بمخاطرات حمقاء لإشعال الحروب، فقط عندما يشعرون أن هناك احتمالاً محدوداً للتصدي لهم وإيقافهم.

وقد اعتقد هتلر أنه ما من أحد سيكترث إذا ما انتزع بولندا، وذلك بعد أن قضم تشيكوسلوفاكيا والنمسا.

وقام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بغزو الكويت، في ضوء اعتقاده أن الولايات المتحدة لا تتدخل في النزاعات الحدودية بين الدول العربية. ولا يعد الردع، والتحالفات، وتوازنات القوى، مفاهيم قديمة قدر لها بالمصادفة أن تشعل نيران الحرب العالمية الأولى، كما يقال لنا في بعض الأحيان، فهي الأدوات العريقة لنصح الأطراف المتشددة بالتزام الهدوء.

ولكن، ما الذي ينهي الحروب؟ ليست عصبة الأمم ولا الأمم المتحدة، فمن سوء الطالع أن الحرب هي نوع من التجربة المخبرية القاسية، التي يحسم سفك الدماء فيها أي طرف في الحقيقة هو الأقوى، ولدى إدراك هذه الحقيقة مجدداً يعود السلام عادة.

لقد اقتضى الأمر مصرع 50 مليون شخص، لتذكير المحور، الذي جرت تهدئته، بأن ألمانيا وإيطاليا واليابان جميعها كانت في عام 1941 أضعف كثيراً من الحلفاء الذين يضمون بريطانيا والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وقد انتهت حرب فوكلاند عندما أدركت الأرجنتين أن التباهي بإيقاع الهزيمة ببريطانيا، ليس هو إيقاع الهزيمة بها فعلاً.

الحرب، كونها عنصر تذكير بمن هو حقاً الأقوى ومن هو الأضعف، تعد طريقة وحشية لإدارة العالم، وسيكون من الأفضل كثيراً بقاء الحكومات الدستورية المحبة للسلام في وضعية الأقوى، فينبغي عليها أن تحافظ على دفاعاتها، وأن تحذّر بوتين و«داعش» وكوريا الشمالية ومن على شاكلة هذه القوى، أن كل ما ستحققه حرب حمقاء هو تذكير مثل هؤلاء المعتدين بأنهم سيخسرون مقابل لا شيء.

إن الدول النووية نفسها تحتاج إلى رادع تقليدي، فهي أو مصالحها غالباً ما تتعرض للهجوم كما هي الحال في هجوم الأرجنتين على بريطانيا والقاعدة على الولايات المتحدة، من قبل قوى غير نووية على أساس الافتراض المحتمل بأن الأسلحة النووية لن تستخدم، وعلى أساس الافتراض الخاطئ غالباً، بأن القوة الأقوى قد لا ترغب في المتاعب، أو لا تكون لديها القدرة على الرد على الطرف الأضعف.

إذا كان الردع والاستعداد العسكري يبدوان استثماراً حكيماً على هذا النحو، فلماذا تجد الدول الديمقراطية نفسها غالباً غير مستعدة وتتعرض للاستفزاز من جانب المعتدين الذين تزداد جرأتهم عندئذ على شن الحروب؟ من الصعب على الناخبين الديمقراطيين التخلي عن القليل من القدرة على التأثير في السلام لضمان أنهم لن يخسروها في الحرب.

بل إن من الأصعب على المفكرين الليبراليين الإقرار بأنه بعد قرون من الحياة المتحضرة، فإننا لا نزال دون طريقة للحيلولة دون الحروب الوحشية، أفضل من تذكير أولئك الذين يودون شن هذه الحروب بأن لدينا القوة الأكبر، وسنستخدمها إذا تعرضنا للاستفزاز.

 

Email