اسبقونا أنتم وأبناؤكم إلى الجنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«أحمد الله تعالى أن ولدي محمد خالد الريسي مات وهو جندي للوطن»، بهذه العبارة غرد والد مجند الخدمة الوطنية الذي وافته المنية في السكن الداخلي نتيجة سكتة قلبية مفاجئة، عندما تلقى نبأ وفاة ابنه. وهي تغريدة تظهر الفرق بين شعور أهل من يقدمون أبناءهم لخدمة الوطن، وشعور أهالي أولئك الذين يُغرَّر بهم فيذهبون للقتال على أراضٍ لا علاقة لهم بها، بدعوى نصرة الدين والمستضعفين وإقامة الحدود.

في اليوم نفسه الذي نعت فيه القيادة العامة للقوات المسلحة في دولة الإمارات، المغفور له بإذن الله تعالى مجند الخدمة الوطنية محمد الريسي، نشرت وزارة الدفاع العراقية مقطع فيديو مدته 6 دقائق، تم تداوله على نطاق واسع، يوثق لحظة إلقاء القبض على شاب سعودي يدعى حمد التميمي، يبلغ من العمر 21 عاماً، يقاتل في صفوف «داعش» في منطقة صحراوية شمال العراق.

ويظهر الفيديو الشاب السعودي في جلسة تحقيق مصورة مع أحد الضباط العراقيين، وهو يوجه إليه أسئلة حول أسباب قدومه إلى العراق، والدوافع التي قادته إلى هجر أهله ووطنه والانضمام إلى «داعش».

الشاب أوضح أنه تأثر بالفكر الجهادي عن طريق الإنترنت، قائلاً إن فكرة الجهاد كانت تراوده بعد مشاهدة صور لقتل الأطفال، مضيفاً أنه قام عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بالتواصل مع أحد أعضاء تنظيم «داعش» في العراق، ومن ثم قرر السفر، وعبر طرابلس اللبنانية كانت رحلة العبور إلى الأراضي السورية، وبعد ذلك اتصل بأخيه الأكبر ليخبره بوصوله إلى سوريا، إلا أن أخاه أنكر عليه تصرفه، وطلب منه العودة إلى وطنه.

مقطع الفيديو الذي نشرته وزارة الدفاع العراقية، يذكرنا بحلقات برنامج «الثامنة» التي قدمها الإعلامي السعودي داوود الشريان على قناة MBC قبل فترة، وناقش خلالها موضوع «أهالي السعوديين في سوريا»، وقدم فيها مجموعة من الأهالي الذين أكدوا رفضهم ذهاب أبنائهم إلى تلك المناطق، ودعوتهم لهم كي يعودوا إلى وطنهم.

وكانت أبرز من تحدث في تلك الحلقات والدة الشاب مسفر «أم محمد»، التي قالت إن ابنها الطالب في الصف الأول الثانوي ذهب إلى سوريا وعمره 17 عاماً، بتحريض من شيوخ الفتنة وسماسرة الجهاد المضللين.

وتساءلت عمن استخرج لابنها جواز سفر، وناشدت خادم الحرمين الشريفين وكبار المسؤولين السعوديين أن يقوموا بمعاقبة من تسبب في ضياع ابنها، ودعت من يحرض هؤلاء الشباب ويدعوهم للذهاب إلى هناك، أن يتقوا الله في الأمهات، قائلة: «نحن نقوم الليل، وندعو الله عليكم. نحن في أمن وأمان. ماذا تريدون من أبنائنا؟».

كلام «أم محمد» كما يبدو لم يعجب شيوخ الفتنة، فاتهمها «محمد العريفي» بالكذب والافتراء عبر حسابه في «تويتر»، الأمر الذي أدى إلى تفاعل الناس مع قضية «أم محمد» وتغريدات العريفي، فأطلقوا هاشتاق «#العريفي_يستهزئ_بدمعة_أم_محمد»، وطالبوه بالاعتذار أو محاسبته، في حين أسفرت الحملة عن إعادة مسفر إلى وطنه، ليكشف أن جميع من يدعون إلى الجهاد في سوريا كاذبون..

فإلى متى يبقى هؤلاء المشايخ يمارسون دورهم في تضليل الأبناء، والدفع بهم إلى ساحات القتال بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية؟

الشاهد في الموضوع هو مواقف آباء وأمهات هؤلاء الشباب الذين يدّخرهم الوطن للدفاع عنه، ففي حين يحمد والد مجند الخدمة الوطنية الإماراتي محمد الريسي، الله لأن ولده مات وهو جندي للوطن، تدمع عينا «أم محمد» المغرر بابنها «مسفر» وتطلب إعادته إلى الوطن.

وهما موقفان ينطلقان من منبع واحد، هو حب الأبناء والوطن معاً، والرغبة في التضحية والفداء، ولكن من أجل الوطن، لا من أجل أوهام خادعة يبثها دعاة الفتنة ومشايخها ليضللوا بها الشباب، ويدفعوا بهم إلى ساحات قتال لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولا قضية سوى ادعاء نصرة المظلومين وإقامة الحدود.

وهي دعوة مضللة ينخدع بها الشباب حتى يصلوا إلى تلك الأماكن ليكتشفوا أن «الجهاد في سوريا جهاد فتنة، حيث يقاتل المسلمون بعضهم بعضاً»، كما يقول الشاب السعودي العائد من سوريا «مفرح الخثعمي»، الذي أطل عبر برنامج «همومنا» في القناة السعودية الأولى، شهر أبريل الماضي، ليكشف زيف هذه الدعوات وتضليل من يدعون الشباب إلى الجهاد ويغررون بهم.

والشاهد في الموضوع أيضاً، هو موقف قيادات الدول الخليجية من هذه الدعوات ومحاربتهم لها، ووقوفهم إلى جانب الشباب وأهلهم في مثل هذه المواقف، فقد تجلى موقف قادة الإمارات في زيارات الشيوخ وكبار المسؤولين لأسرة مجند الخدمة الوطنية المرحوم بإذن الله تعالى، لتقديم واجب العزاء لهم.

والصورة الجميلة التي خرج بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بعد تقديم سموه واجب العزاء لأسرة الفقيد، والتي تجلت في تغريدة سموه على «تويتر».

حيث قال: «لمست فخر أهله به، وصبرهم على فقده، واحتسابهم له عند ربه»، مضيفاً: «أكبر عزاء لأسرة محمد الريسي أنه توفي أثناء خدمته الوطنية، وأكبر عزاء لنا جميعاً أنه غادرنا وهو يحمل شرف الجندية على كتفه».

على مثل هذه القيم والمبادئ يجب أن نربي أبناءنا، وعلى مثلها يجب أن يربي أبناؤنا أبناءهم، وعلى مثلها يجب أن يسيروا.

أما دعاة الفتنة ومشايخها فعليهم أن يبتعدوا عن طرقنا، وأن يسبقونا هم وأبناؤهم إلى الجنة إن كانوا صادقين، تماماً كما قال الزميل الشريان في ختام برنامجه، ليتداولها الناس عبر وسائل التواصل المختلفة.

 

Email