التراث والموروث الإماراتي.. التأثر والتأثير

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن أن يعرف التراث بأنه كل مكون مادي أو معنوي أو لفظي متداول من جيل لآخر بما يتضمنه ذلك التراث من قيم وأمثال وأفعال تسهم بشكل أو بآخر في عملية إبقاء الثقافة الاجتماعية حية وعاكسة لطبيعة المجتمع.

وللتراث دور حضاري وثقافي مهم في صون وحفظ الهوية الوطنية والثقافية لأي مجتمع حيث يعد مكوناً مهماً من مكونات الثقافة الاجتماعية، ولهذا تعمد كل شعوب العالم إلى تسجيل وحفظ تراثها بشكل أو بآخر كل حسب قدراته العلمية والعملية.

وبما أن عملية التواصل بين الأجيال عملية مهمة للبناء الاجتماعي السليم تبقى عملية التوثيق والحفظ لتوظيف ذلك التراث عملية مهمة من عمليات الاستمرارية الحضارية للمجتمع.

وفي دولة الإمارات تبدي المؤسسات الرسمية والثقافية اهتماماً متزايدا بالتراث وصونه كونه يمثل حلقة مهمة من حلقات التواصل التاريخي للمجتمع. وتراث الإمارات كتاريخها، تشكل بفعل مؤثرات عدة لعبت دوراً مهماً في التأثير فيه.

فمن ناحية لعب موقع الإمارات الجغرافي على الخليج وامتداد أراضيها الصحراوية والجبلية لتلتقي مع منطقة شبه الجزيرة وعمان دوراً مهماً في التأثير ليس فقط في تاريخ الإمارات بل في تراث الإمارات.

فهناك ارتباط وثيق بين تاريخ الإمارات وتاريخ الدول المحيطة بها خاصة عمان والسعودية. من ناحية آخرى فقد أثر هذا الموقع على تراث الإمارات وموروثها الثقافي. فقد خلفت ثلاثية البيئة الطبيعية ( البحر - الصحراء - والجبال) ثلاثية البيئة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فكان من أثر ارتباط مجتمع الإمارات بالبحر والصحراء والجبال أن نشأت بيئة ثقافية واجتماعية واقتصادية عاكسة لذلك التنوع الجغرافي. فالكثير من تراث الإمارات مشتق من تلك الجغرافيا الطبيعية.

ففي تحليل بسيط للأمثال أو بعض الكلمات المتداولة أو حتى أسماء الإمارات أو القبائل أو الأماكن يمكن الوصول إلى استنتاجين : الاستنتاج الأول أن تلك الأسماء تعبر بشكل عام عن اتجاهات جغرافية (الشارقة) مثلا، أو ترمز للأماكن التي قدمت منها القبائل أو الأقليات المهاجرة. والاستنتاج الثاني هو أن تلك التركيبة تجسد التنوع العرقي والاقتصادي والثقافي لأهل الإمارات.

فمنهم من ينتمي في أصوله العرقية لبيئات عربية أو فارسية أو افريقية مهاجرة، ومنهم من تعود على التنقل والتجارة ومنهم البدو الرحل، ومنهم من أتى قبل قرون ومنهم حديثو العهد بالمنطقة.

هذا التنوع أثر ليس فقط في تراث وموروث الإمارات بل وفي مدى تنوعه وارتباطه بالخلفية الجغرافية والتنوع العرقي الذي يمثله. ولذا يمكن القول بأن مقومات التراث الإماراتي لا تقوم على قواعد عرقية فقط وإنما على خلفية سسيو- ثقافية أيضا.

من هذا الوصف البسيط لسكان الإمارات يبدو أنه بالإضافة إلى القبائل العربية الكبيرة التي عاشت على ارض الإمارات هنالك اقليات من اصول متنوعة وبيئات مختلفة قد عاشت واختلطت بالسكان وأثرت في التراث والموروث الثقافي وتأثرت به.

وعلى الرغم من هذا التنوع الثقافي والاجتماعي الا أن الإمارات لم تواجه يوماً اشكاليات ثقافية أو اجتماعية، بل على العكس اختلطت كل تلك الخلفيات لتتكون ثقافة اماراتية هي اليوم مزيج من كل تلك المؤثرات السابقة.

بالإضافة إلى التعددية الثقافية التي نلمسها في ذلك التنوع العرقي والاجتماعي نلحظ ايضا تنوعاً ثقافياً في المصادر الأساسية للكلمات والأمثال المستخدمة في اللهجة الإماراتية.

وهي وإن كان معظمها معتمداً على اللغة العربية كمصدر اساسي الا أنها تحتوى على مفردات قادمة من لغات عديدة منها الهندية والفارسية والانجليزية وحتى التركية. فبعض الكلمات المستخدمة اما ذات جذور عربية بلفظها ونطقها وإما أن تكون ألفاظاً غير عربية مشتقة من جذور اجنبية أغلبها من روافد بحرية وبرية.

كما تظهر اللهجة الإماراتية تمايزاً واضحاً بين المناطق في بعض الأحيان وبين القبائل أحيانا أخرى. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة كيف نوظف ذلك التراث المتنوع لخدمة أهدافنا الوطنية وترسيخ هويتنا؟

يلعب التراث دوراً محورياً في رسم ملامح الهوية الوطنية وترسيخها متى ما احسن توظيفه. ولذا فإن توظيفه في مشروع اعلامي وتوعوي موجه نحو الجيل الجديد هو قضية مهمة للمحافظة على تواصل الأجيال.

كما أن توظيفه في مشروع ثقافي - اجتماعي ضرورة من ضرورات الحفاظ على اللحمة الاجتماعية قوية ومتماسكة. الحفاظ على التراث حياً وفاعلاً يمكن أن يكون أداة جيدة في يدنا لمواجهة المتغيرات العصرية وتحديات العولمة والمواطنة العالمية. ففي تراثنا الكثير من القيم الإيجابية القادرة على البقاء والاستمرارية في وجه تحديات العصر.

 

Email