ادعموا المشاريع الوطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع توفر التقنيات الحديثة والتطبيقات الذكية، لم يعد من الصعب على من يملك أفكاراً طموحة متبوعة ببعض من الجهد، أن يحول حلمه إلى واقع، من خلال مشروع صغير من قعر داره، وذلك بقليل من رأس المال وبمساعدة التطبيقات المتوفرة بالمجان.

فلم يعد هناك داع للاصطفاف في طوابير طويلة في غرف التجارة، لطلب اسم تجاري أو الوقوف لساعات أمام موظفي البلديات للحصول على الموافقة على لوحتهم التجارية، أو تصفح عشرات التصنيفات التجارية في كتيب دائرة الاقتصاد لفهم أي ترخيص تجاري يجب أن يتبع، أو حتى التفاوض على أسعار الإيجارات التي هي في ارتفاع دائم!

فمع توفر التقنيات هذه أصبح الشخص سيد نفسه، فليست هناك قوانين يتبعها أو إجراءات حكومية طويلة تؤخره أو تعرقل طموحه.. هو يحدد سير عمله، وهو يقرر متى وكيف ولمن يوجه أعماله، وهو يحدد الأسعار، يستيقظ متى شاء، ويضع القوانين التي يريدها كما يراها مناسبة لظروفه.

عندما أقوم بتصفح الإنستغرام أجد مئات الصفحات لمستخدمين يعرضون خدماتهم ومنتجاتهم المختلفة؛ من مأكولات وملابس وإكسسوارات وقرطاسية ومجوهرات وأعمال فنية وعطورات ومنتجات مستوردة، وغيرها الكثير.

وهذا أجده إشارة إيجابية إلى أن الشباب الإماراتي بدأ بالاعتماد على نفسه، وبالتفكير في مشاريع تجارية صغيرة.

والمشاريع متفاوتة في طريقة عرضها، فمنها ما يتكلف مالكوه الاهتمام بأدوات التسويق، من شعار ودعايات وتبادل إعلانات وعارضين واستخدام جمل ذكية للتسويق، وذلك يظهر جلياً في صفحاتهم، ومنهم من أجد عدم درايتهم بعلوم إدارة الأعمال.

وبغض النظر عن ذلك، فإنهم جميعاً يعملون جاهدين في محاولة جذب المستهلك نحو شراء السلع التي يعرضونها.

وكما ذكرت سابقاً، فإن كثيراً ممن اتجهوا نحو الإنستغرام على وجه الخصوص أو الوسائل الأخرى لتكوين متجرهم التجاري، كان لسبب بسيط جداً وهو سهولة هذه الطريقة وبساطتها، فهي لا تتطلب أي نوع من الالتزام أو الإجراءات الطويلة.

قمت مؤخراً بطلب منتج من إحدى التاجرات على الإنستغرام، بعد أن شاهدت الإعلان عنه على صفحتها. تواصلت معها عن طريق برنامج المسنجر، وأرسلت لها المبلغ عن طريق الحوالة، وبعد تأكدها من وصول المبلغ قامت بإرسال المنتج عن طريق البريد السريع.

وصلني المنتج وهو لا يعمل، فتواصلت مع التاجرة، ولكنها أنكرت أن المنتج لا يعمل، وبعد عدة نقاشات غير مثمرة قامت بحجبي من صفحتها.

تساءلت حينها عمن سيقوم بحفظ حقي! وتواصلت مع عدة أشخاص وأفادوني بأن إدارة حماية المستهلك تقف لهؤلاء اللصوص بالمرصاد، وما على المتضرر إلا الإبلاغ عن التاجر، وهم سيقومون باتباع الإجراءات اللازمة لأخذ الحقوق المتوجبة.

وفعلاً قامت خدمة حماية المستهلك بالتواصل، وأخذت حقي والحمد لله، ولكن كم منا يعلم حقوقه؟

قبل كتابة مقالي هذا، قمت بمقابلة الكثيرين للحصول على تجاربهم الشخصية من خلال تفاعلهم مع مختلف التجار على شبكات التواصل، سواء كانت الواتساب أو الإنستغرام، فمنهم من طلب طبقاً من المأكولات وعانى من مغص شديد على مدى يوم كامل، ومنهم من طلبوا قطعاً من الحلوى وكان حظهم أن دورهم كان الأخير على قائمة التوصيل، فكانت الحلوى ذائبة..

وقانون التاجر: الحلوى المباعة لا ترد ولا تستبدل! والذين طلبوا ملابس ولكنها وصلتهم بقياس أصغر كثيراً، وغيرهم الذين اشتروا منتجاً كان رائعاً في الصورة المعروضة، وفي الواقع كان شيئاً رخيصاً من السوق الصيني! ناهيك عن اللواتي يبعن العقاقير والخلطات السحرية، التي تعد بتبييض الركب أو إطالة الشعر في أسبوع، بدم الغزال أو سم الثعبان! وفي الواقع لا تغيير يطرأ على أي شيء، سوى ضياع المال! ومعظمهم تقبلوا الواقع المرير ولم يتواصلوا مع حماية المستهلك.

من المشاهد الأخرى التي لاحظتها، المبالغة غير الطبيعية في أسعار المنتجات المعروضة.

سألت إحدى مصممات العباءات، والتي انطلقت للتو، عن سبب كون عباءتها بسعر ستة آلاف درهم وهي في نظري يجب ألا تتعدى الستمائة درهم! فكان ردها بكل بساطة: هل دولتشي أند جابانا أفضل مني! وفي متجر آخر رأيت من يبيع أظرفاً لوضع العيدية بسعر خمسة عشر درهماً للواحد، لينتهي بنا المطاف بوضع خمسة دراهم فيها! أوليس من باب أولى أن نهدي الطفل عشرين درهماً كعيدية ليفرح بها، بدلاً من التغليف الذي سينتهي به المطاف في سلة المهملات؟ أو بعض التجار الذين يستوردون المنتجات ويضاعفون الأسعار عشرات المرات..

ألا تخافون الله فينا؟! فكرة إنشاء مشاريع خاصة على شبكة الإنترنت رائعة، ولقد رأيت أمثلة جميلة لشباب قاموا بتطبيق أفكار فذة، ولكن معظمها للأسف غير قانوني! وقد قامت الدولة بتوفير التسهيلات اللازمة من التشريعات التي تسهل على الشباب الذين يرغبون في إقامة مشاريع في منازلهم، مثل برنامج انطلاق ومبدعة.

ولمن يرغب في إنشاء مشاريع خاصة، لدينا صندوق خليفة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب..

ولكن ما زال هناك باب للتطوير، وأتمنى من المعنيين أن يقوموا بسن مزيد من التشريعات اللازمة والقوانين التي تواكب العصر والتقنيات الحديثة، بحيث تسهل الموضوع على جميع الشباب المهتمين بإنشاء مشاريع خاصة بهم في العالم الافتراضي، بحيث توفر لهم البيئة المناسبة للعمل من دون تعقيدات، وتقوم بتوفير مزيد من الحماية للمستهلك من حيث الجودة والأسعار والمعاملة.. نريد أن ندعم المشاريع الوطنية ونحميها من المبالغة أو الجشع!

Email