يحدث في »عام التضامن«

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الشهير رقم 181 لعام 1947، الذي قضى بتقسيم فلسطين، عبّر بعض الساسة والحقوقيين والمفكرين العدول في غير جهة ومحفل، عن معارضتهم لتلك الخطوة، وحذروا من عواقبها السلبية طويلة الأجل. وذلك نتيجة تقديرات وشروح تاريخية وأخلاقية وتأملات منطقية، فضلاً عن ورؤى فقهية قانونية، مفادها خروج الجمعية العامة عن اختصاصاتها، فهي »ليست مكتب عقارات، ولا أحقية لها في توزيع الأقاليم والأراضي بين الشعوب والدول وفقاً لموازين القوى«..

ما يعنينا بين يدي هذا التذكار راهناً، هو الإشارة إلى أن الجمعية العامة ذاتها، التي تصرفت في حقوق الشعب الفلسطيني على غير إرادته، عادت في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبعد مرور ثلاثة عقود على قرارها، إلى الالتزام النسبي بجادة الصواب، واعترفت لهذا الشعب بالحق في تقرير المصير، وبضرورة تمكينه من حقوقه غير القابلة للتصرف.

جاء هذا التطور في سياق عالم مختلف عما أحاط بالقضية الفلسطينية غداة الحرب العالمية الثانية، وقد شقت هذه الصحوة طريقها لتبلغ، بعد ثلاثين سنة أخرى موشاة بالآلام الفلسطينية، طور الاعتراف للفلسطينيين بدولة غير عضو في الأمم المتحدة. وكخطوة إجرائية، ردفت الجمعية العامة صحوتها هذه بإنشاء »اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف«، وأناطت بها منذ عام 1977، مهمة التوصية بالبرنامج الذي يمكّن هذا الشعب من تحصيل هذه الحقوق.

ويحسب للجمعية العامة أنها أيدت كافة التوصيات التي رفعتها اللجنة، وورد فيها مراراً وتكراراً، حتى الملل، التأكيد على أن »أي حل شامل وعادل ودائم لقضية فلسطين، يجب أن يستند إلى قرارات الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية التالية: انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، بما فيها القدس الشرقية، واحترام حق جميع دول المنطقة في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها دولياً، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه، ودعم هدف الدولتين إسرائيل وفلسطين، على أساس خطوط الهدنة لعام 1949«. ومع توالى المستجدات، أضافت اللجنة إلى مرجعيات الحل المطلوب فلسطينياً، تطبيق المبادرة العربية للسلام لعام 2002، وخريطة الطريق التي وضعتها الرباعية الدولية عام 2004.

حسناً.. لأكثر من ثلث قرن وهذه اللجنة الأممية ترفع توصياتها واجتهاداتها وأمنياتها المذكورة إلى الجمعية العامة الأم، وينتهي الأمر سنوياً بتقرير عن هذه الأخيرة يجدد ولاية اللجنة، ويطلب منها تكثيف مساعيها الرامية إلى تحقيق أهدافها!..

لأكثر من ثلث قرن، يتردد أن اللجنة »لم تتمكن من تحقيق أهدافها«، وكأنها هي التي تملك الحل والعقد في تطبيق توصياتها، وليست مجرد ذراع فنية ترفع التوصيات إلى أصحاب الحل والعقد، الجمعية العامة ومجلس الأمن واللجنة الرباعية والقوى العظمى والكبرى... المتربعة على قمة النظام الدولي داخل الأمم المتحدة وخارجها.

يتصل بهذه المفارقة المثيرة للحفيظة، أن الجمعية العامة بادرت في دورتها للعام الماضي، إلى جعل عامنا الحالي 2014، عاماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. هذا يعني أن العدوان الإسرائيلي الإجرامي على غزة، قد جرى تحت سمع العالم وبصره، في عام يفترض أنه مخصص للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومؤازرته ورد اعتباره، وكف أيدى الظالمين عنه.

والحال أن الرعاية الأممية لهذا العام التضامني، لم تكن لها أصداء رادعة لإسرائيل.

ويدعو للحنق أكثر فأكثر، أن الأمم المتحدة، وأمانتها العامة بخاصة، لم تتطرق في متابعاتها وتعقيباتها على مجريات العدوان، إلى هذا التزامن.. حتى إن أحداً لم يلحظ أن الإيغال الإسرائيلي في انتهاك كل الحرمات والمحرمات الدولية في غزة فلسطين، يدور بين يدي عام للتضامن مع فلسطين والفلسطينيين!.. مع ذلك، فإن هذا المشهد المأساوي، لم يحل دون تعلق السياسة الفلسطينية بالسبل التي قررتها هيئة الأمم المتحدة لإنهاء ظلامة الشعب الفلسطيني.

بل وثمة مؤشرات على أن استمرار الطرق على أبواب هذه الهيئة وتوابعها من المحافل الحقوقية، مع التقيد بمثلها ومبادئها وقراراتها، هو أحد أهم خيارات الفلسطينيين لانتزاع حقوقهم »غير القابلة للتصرف«. ولا يأتي مثل هذا الخُلق السياسي الرفيع، إلا الكاظمون الغيظ وأولو العزم من الشعوب.

Email