مسخ فرانكشتاين ينقلب على أسياده

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعيث زمرة من قاطعي الرؤوس المعتوهين والمتعطّشين للدماء، خراباً في سوريا والعراق. هؤلاء لا يهدّدون بنشر عقيدتهم السامّة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وحسب، إنما أيضاً في العواصم الغربية.. تبدو وكأنها قصة خرافية مخيفة! إنها قصة حقيقية تدور أمام عيوننا، ومن نصّبوا أنفسهم حرّاساً على عالمنا، يكتفون بإلقاء قنابل هنا وهناك دفاعاً عن مصالحهم، وإطلاق التهديدات، وتوزيع رزم المساعدات.

هل نصدّق حقاً أن النزاعات المتفجّرة في سوريا والعراق واليمن وما تبقّى من الدولة الليبية، هي مجرد صدفة؟ أم أن هناك خطة كبرى وأيادي خفيّة ترغب في زعزعة الاستقرار في المنطقة عن طريق استخدام المتطرفين، بهدف تفكيك البلدان العربية إلى كيانات ضعيفة يسهل التحكّم فيها ونهب ثرواتها ومواردها الطبيعية؟

أعتقد أن »العلماء« أنتجوا مخلوقاً يسمى بتنظيم داعش، أشبه بمسخ فرانكشتاين في الفيلم الشهير، تمّت تغذيته ومساعدته كي يطوّر مهاراته الفتّاكة تماماً كما وُلد تنظيم »القاعدة«. بيد أن هذا المخلوق اكتسب قوة عسكرية ومالية وأيديولوجية كبيرة جداً، إلى درجة أنه بات يهدّد الآن وجود خالقيه؛ إنه مسخ يزرع الذعر في العالم بارتكاب فظائع وحشية تحت راية الإسلام، دين التسامح والسلام. هذا التنظيم المختلق الزاحف، الذي أعلن الخلافة في شمال سوريا والعراق ويتطلّع إلى بسطها في الأردن والسعودية والكويت، طرح جلده ويبثّ الآن سمومه ضد أسياده.

لقد تم تصنيعه في سوريا كي يكون أداةً في يد الغرب، بهدف تقويض شعبية »الجيش السوري الحر« التي كانت تتنامى في مختلف أنحاء العالم العربي، وتهديد قضيته النبيلة، فكانت النتيجة منح صدقية للذريعة الوهمية التي ساقها الأسد في البداية بأنه يحارب الإرهابيين.

المذبحة التي تدور على شاشاتنا، والتي يرتكبها رجال مقنّعون يتنقّلون في سيارات »هامفي« جديدة، ليست من صنع هواة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى آلة الدعاية الثعبانية التي تستخدم رسائل متطورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمخاطبة الشباب المسلمين الضعفاء أو السذّج أو الناقمين في الولايات المتحدة وأوروبا، الذين يعتبرون أن إقامة الخلافة هي تأكيدٌ على هويتهم، في حين أن الخلافة المبنيّة على أنهر الدماء وجبال الرؤوس المقطوعة والفتيات اللواتي يُبَعن في سوق النخاسة، ليست سوى شرّ مستطير.

ثمة أدلّة تُظهر أن هؤلاء المتطرّفين تدرّبوا سراً على أيدي بعض القوى الإقليمية والغربيّة، التي تخلّت عن المعارضة الشرعية المتمثّلة بالرجال الشجعان في »الجيش السوري الحر«.

لو أن قائد العالم الحر، الرئيس أوباما، اتّخذ القرار الصحيح قبل بضع سنوات عبر الإصغاء إلى المطالب المحقة للجيش السوري الحر، لأمكن إنقاذ عشرات الآلاف من السوريين والعراقيين من الموت المحتّم، ولما قُتل الصحافي الأميركي، ولما واجهت المنطقة والعالم هذا الشر المستطير.

لم يطلب »الجيش السوري الحر« من أوباما إرسال قوات برية أو خوض حرب شاملة ضد النظام، فجل ما طلبه هو تزويده بالغطاء الجوي والأسلحة الثقيلة والذخائر لمساعدته في القتال. لكن الولايات المتحدة لم تلبِّ الطلب، لا بل أكثر من ذلك، وصلت الأسلحة الغربيّة بطريقة غامضة إلى أيدي المتطرّفين، على غرار »جبهة النصرة« وتنظيم »الدولة الإسلامية في العراق والشام« (داعش)، اللذين حوّلا سلاحهما ضد »الجيش السوري الحر«.

يجب أن تُخضِع لجنة تابعة للكونغرس الرئيس الأميركي لتحقيق مكثّف، للوقوف على ملابسات دوره في استفحال المجزرة في سوريا وفي تأجيج النزاعات المذهبية وتفشّي شريعة الغاب في الشرق الأوسط. لقد تسبّب تدخّله في ليبيا بالانقسام والدمار؛ كما أن عدم استجابته لنداءات المساعدة الذي أطلقته الحكومة العراقية العام الماضي، ساهم في ارتفاع الرايات السوداء في ثلث مساحة البلاد. علاوةً على ذلك، كاد دعمه للإخوان المسلمين في مصر، خلافاً لإرادة الشعب المصري، أن يُشعل حرباً أهلية دموية لولا وحدة الشعب والجيش.

على الكونغرس أن يجري تحقيقاً لمعرفة ما إذا كان أوباما يخدم المصالح الأميركية بتحرّكاته أو إحجامه عن التحرك، وكَشْف الأسباب الحقيقية خلف دعمه الظاهر للمتطرّفين الدينيين على حساب المعتدلين.

فضلاً عن ذلك، كيف يمكن تفسير التناغم المستمر بين إيران والغرب، في حين أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا فرضت طيلة عقود عقوبات على إيران من دون جدوى؟ لو كانت إيران بلداً عربياً، فأنا على يقين من أن الغرب كان ليجتاحها قبل وقت طويل للقضاء على التهديد، حتى من دون الحصول على إثبات ملموس بأنها تعمل على تطوير إمكانات لتصنيع أسلحة نووية، وخير دليل على ذلك الاجتياح المفاجئ للعراق، أو ما يُعرَف بتكتيك »الصدمة والرعب«.

يجب أيضاً وضع الحكومتَين البريطانية والفرنسية تحت المجهر، لأنهما تتصرّفان وكأنهما نسخة مصغّرة عن أميركا في السياسة الخارجية، فقد فشلتا فشلاً ذريعاً في منع التنظيم من تجنيد المقاتلين في صفوفه. وتمتلئ الصحافة البريطانية على وجه الخصوص، بالأخبار عن جهاديين ينادون علناً بعقائدهم في الشوارع والجامعات البريطانية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ حتى إنهم وزّعوا منشورات في شارع أوكسفورد في لندن، لكن بدلاً من توقيفهم، أعلنت الشرطة أن عليها أن تتأكّد ما هي القوانين التي يمكن أن يكونوا قد خرقوها! وتُجري »هيئة الإذاعة البريطانية« (بي بي سي) مقابلات بانتظام مع شباب مسلمين بريطانيين يمتدحون ما يُعرَف بالخلافة، وسافر ما لا يقل عن 500 مواطن بريطاني - يقول البعض إن العدد يناهز الألفين - ومنهم فتيات مرشّحات للزواج من الجهاديين، إلى سوريا للقتال ضد السنّة الذين يرفضون العبودية الأيديولوجية، وكذلك ضد المسيحيين والأقليات الأخرى. وتدفَّق المئات أيضاً من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا إلى سوريا، واستقبل تنظيم »داعش« أكثر من 6000 مجنّد جديد في شهر يوليو فقط، بينهم 1100 أجنبي، وتلقى الفكرة رواجاً، حيث أعلن تنظيم »بوكو حرام« مؤخراً إقامة خلافته في إحدى المناطق في نيجيريا.. فما هي المحطة التالية؟

حتى المغفّل لا يسعه سوى أن يتساءل؛ لماذا لم تُتَّخذ خطوات حاسمة لكبح هذه الموجة التي ستصل عاجلاً أم آجلاً إلى الشواطئ الغربية، مطلقةً عاصفة تسونامي عنيفة وكارثية، تحت ذريعة حرية التعبير واحترام الحريات الفردية؟ يعتقد وزير الدولة البريطاني السابق للشؤون الخارجية كيم هويلز، أن الإرهابيين محلّيي المنشأ ربما يخطّطون لهجوم ضخم على قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) المقررة في كارديف الشهر المقبل.

لماذا يتم التغاضي عن الإرهابيين الذين يتباهون بإنجازاتهم أو يشجّعون أولادهم على حمل الرؤوس المقطوعة وعرضها بفخر على الإنترنت، ويُفلتون من العقاب، في حين أن مروّجي الاستغلال الجنسي للأطفال يُعتقَلون بسهولة، ناهيك عن المشاهير المتّهمين في جرائم ارتُكِبت قبل أكثر من ثلاثين عاماً؟ والسؤال المطروح الذي يحتاج إلى جواب عاجل هو: هل الانهيارات والانفجارات التي يشهدها العالم العربي سببها الظروف الداخلية أم أنها أحداث عشوائية من صنع القدر؟ أم هي مدبّرة عمداً وثمة أيادٍ خفية تقف وراءها؟ لقد توصّلت إلى استنتاجاتي الخاصة؛ أترك لكم أن تفكّروا في السؤال وتجدوا الجواب بأنفسكم.

Email