قانون مكافحة الإرهاب.. سيف الحق القاطع

ت + ت - الحجم الطبيعي

حققت دولة الإمارات خلال الفترة الماضية والحالية نجاحات كبيرة في كل مظاهر التنمية والتطور، ما جعلها دولة عالمية على طراز حديث، وجعل شعبها أسعد الشعوب بفضل الله، ثم حكمة قيادتها الرشيدة، ولا بد لكل نعمة من عدو، وهم الحاقدون والحاسدون، الذين يتربصون بدولتنا ويسعون للنيل منها ومن أمنها، في عالم صار الإرهاب فيه هو الكلمة الأكثر تداولاً، بل الأكثر فزعاً في هذه الأيام لما له من خطر على حياة البشر وأموالهم وممتلكاتهم، بل الاعتداء على الحرمات وانتهاك الأعراض، والتسلط على الشعوب وتفزيع الآمنين، بهدف نشر الفوضى والدمار والخراب والموت.

ومن هنا جاءت أهمية التوقيت الذي خرج فيه القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014، بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية، الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وتضمن 70 مادة، ليؤكد حرص دولة الإمارات على القيام بدورها الوطني في الحفاظ على أمنها ومقدرات شعبها، وكذلك بدورها الإقليمي والدولي من منطلق التزامها بتعهداتها الدولية نحو مكافحة الإرهاب والتصدي له، وتجريم جميع أشكاله الدولية ومنع الإرهابيين ومموليهم وأنصارهم من الحصول على الأموال والأسلحة والملاذ الآمن، حيث جاء هذا القانون ليكمل دور القانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2004، أو يحل محله في شأن مكافحة الجرائم الإرهابية، باعتبار الإمارات جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الدولي الذي صار يعاني معاناة شديدة من تنامي ظاهرة الإرهاب وتطورها بمرور الزمان، فلم يعد الإرهاب قاصراً على أفراد أو عصابات خارجة على القانون، بل صار إرهاباً عالمياً تقوده حكومات وتنظيمات دولية، تتخذ من الحرية والعدالة وحقوق الإنسان شعارات لها، والأخطر تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تتستر بستار الدين لتنفيذ مخططاتهم في إزاحة الأنظمة الشرعية، بل هدم مقدرات الدول، فعاثوا في الأرض فساداً واعتدوا على الأرواح، وخصوصاً داعش وما تفعله في العراق وغيرها؛ وتنظيم الإخوان العالمي وما يخطط له، حيث روجوا لفكرهم وما عداهم كافر، وشوهوا الدين بأفعالهم والدين منهم براء.

الخطر أيضاً أننا لو فتشنا في جوهر تلك الجماعات والتنظيمات فسوف نجد أنها ربيبة الصهيونية العالمية، التي تحشد قواها من أجل إضعاف العالمين العربي والإسلامي، لتتمكن من ممارسة إرهاب الدولة على الشعب الفلسطيني من دون حساب من أحد، بل إنها تصب جام حقدها على أي قوة اقتصادية في الوطن العربي والشرق الأوسط ترى أنها تعوق أطماعها في السيطرة على المنطقة بكل مقدراتها.

والوطن العربي كله يعيش حالة من التوتر والغليان نتيجة لتغلغل بركان هذا الإرهاب الأسود إلى كثير من بلدانه، ولذلك فإن الكثير من الدول بدأت تحتاط لذلك وتحيط أبناءها من شر كل عابث، وهبة الشعب المصري ضد هذا التنظيم وحكومته لا تزال حاضرة في الوجدان، وكذلك القرار الذي اتخذته سلطنة عمان بإسقاط الجنسية عمن ثبت أنه ينتمي إلى جماعة أو حزب أو تنظيم يعتنق مبادئ أو عقائد تضر بمصلحة السلطنة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان.

ومن هنا جاء قانون مكافحة الجرائم الإرهابية، في التوقيت الدقيق واللحظة المناسبة، حماية لمقدرات الدولة والمحافظة على مكتسباتها وثرواتها وخصوصاً ثروة الشباب؛ لأنها الثروة المستهدفة، باعتبار الشباب هم صانعو الحضارة، وبناة بلدانها، والمؤسِّسون لدعائم عمرانها، وهم عناصر الحماية عند الخطر، والإصلاح عند الفساد، وإذا خسرت أي أمة شبابها فإنَّها ستخسر نفسها من دون عوض. ولذلك فإن الإرهاب والإرهابيين يركزون على الشباب فيسعون إلى تجنيدهم ببث الأفكار الهدامة والشعارات الخداعة مستغلين حماسهم، وطاقاتهم.

ولذلك فإن دولة الإمارات لن تكتفي بإصدار قانون لمكافحة الإرهاب فقط بل ستطلق مركزاً متخصصاً لمناصحة المغرر بهم والمتأثرين بالأفكار الإرهابية وهي مراكز المناصحة التي أعلن عنها مقرّر اللجنة التشريعية والقانونية في المجلس الوطني الاتحادي، سلطان جمعة الشامسي، التي ستضم أطباء نفسيين وأخصائيين اجتماعيين ووعاظاً وقاعات للتدريس بهدف حماية أبناء الوطن وتأهيلهم وانتزاع الأفكار المسمومة من عقولهم، لتجفيف منابع الإرهاب، وإعادة تأهيل الشباب ودمجهم في المجتمع، كنوع من المساعدة التي تقدمها الدولة لهذه الفئة التي خضعت لعمليات تغرير من الخارج، وكانوا بمثابة »مشاريع إرهابيين محتملين«.

إن قانون مكافحة الجرائم الإرهابية على صيغته التي خرج بها ليؤكد كذلك حقيقة مهمة مؤداها أنه إذا كان للباطل قوة تطغيه فلا بد للحق من قوة تحميه من طغيان الباطل وأهله، ولهذا أمر الله- تعالى- بإعداد القوة لإرهاب الباطل، فأهل الباطل لا يكفيهم بقاؤهم على الباطل، بل يسعون إلى سحق الحق وأهله، وصد الناس عنه بالقتال وبذل المال، قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36].

ولذلك كان لا بد من وجود منظومة قانونية تكون بمثابة السيف القاطع القوي، الذي يبتر يد ولسان كل عابث بفكر أو فعل، ويضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بأمن الإمارات والعبث باتحادها أو تعريض أحد من أبنائها للخطر، فيحمي حق دولتنا في الدفاع عن أمنها، بل يعطي ضمانة لحماية حقوق الأجيال القادمة في وطن آمن ومطمئن، فالقانون لم يخرج لكي يحمي حاضرنا، بل ولد فتياً لكي يحمي آمالنا وتطلعاتنا في مستقبل زاهر لنا ولأبنائنا من بعدنا.

ولا يكفي أبداً إصدار قانون مهم كهذا إلا بعد أن يكون كل من على أرض الوطن من مواطنين ومقيمين شركاء للدولة في محاربة هذه الظاهرة الخطرة، لأنه قانون يحمي حق الجميع في العيش بأمان وسلام.

Email