فشل الإعلام.. تكنولوجيا أم حرية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن مخطئاً ذاك الصحافي الذي قام من بين الجمهور في مؤتمر منظمة وان ايفرا للصحافة العالمية ليوجه اتهامه إلى آلاف الصحافيين المشاركين في المؤتمر بقوله إنكم أنتم من خذلتم القراء. فكل الأخبار التي تضعونها على عناوين الصفحات الأولى قد عرفها القراء في نفس اللحظة.

ما هو الجديد عندكم؟ لماذا لم تعيدوا اكتشاف أنفسكم؟ لماذا لم تتجددوا وتخرجوا عن التقليدية؟. ولقد وضع الأصبع على الجرح كما يقولون، فالصحافة عالميا تعاني من صعوبات والسبب هو اصرار الصحافيين على التفكير بنفس الطريقة فيما فتح المجال لإعلام مختلف وبفكر مختلف في اختطاف المساحة الموجودة.

الإعلام الجديد او الديجتال ميديا أتى بفكر مختلف وهو التواصل ولم تعد الرسالة من مرسل إلى مستقبل بل هي رسالة تفاعلية وحدثية آنية مما جعل الجمهور ينجذب مباشرة لها. ولكن تحميل الإعلام وحده المسؤولية فيه نوع من التجني.

فلا يمكن أن تطلب من شخص ان يدخل سباق في الركض وأنت قد كبلت رجليه. فالحرية هي الوقود الذي يعطي الصحافة قوة الانطلاق والاستمرارية.

هناك من ينظر إلى اشكالية الإعلام التقليدي والجديد إلى انه صراع بين القديم والجديد وهي نظرة قاصرة فحتمية التطور تفرض التأقلم مع المتغيرات وفهم العادات الاستهلاكية للناس حتى في نوعية الخبر واسلوب القراءة، ويرى كثيرون أن مشكلة الإعلام العربي افتقاده للمهنية وغياب الحرية وتركيزه على التمجيد للحكومة وانجازاتها، وهو يتعرض بشكل سريع للمشكلات الحقيقية في المجتمع، والحكومات كانت تمارس التأثير على الشعوب من خلال الوسائل الإعلامية.

من الواضح أن الحكومات ضعف دورها في السيطرة على المحتوى وخرجت اللعبة من يدها، فالثورة المعلوماتية كسرت الحواجز الصلبة واوجدت مساحات كبيرة للجمهور الذي اكتشف فجأة أنه يمكن له صناعة الحدث ورصده وتحليله، واصبح هناك مشاهير على شبكات التواصل الاجتماعي لهم ملايين المتابعين، وقامت تجارة للتسويق للشركات والمؤسسات حيث يقوم المعلنون بدفع مبالغ لشراء تغريدات على تويتر او تعليقات على الفيس بوك وإنستغرام.

ارتبكت الحكومات أمام هذا المارد الضخم ولم تكن هناك سياسة إعلامية واضحة للتعامل معه، فمن تجاهل في البداية إلى السعي للحاق الركب والمشاركة فيه.

والتضارب في هذه السياسية اوجد ثغرات واضحة واصبحت تسعى لتمرير معلومات من خلال مواقع الكترونية معينة، لاعتقادها انها تصل لجمهور أكبر، وهكذا ساهمت الحكومات في تعزيز هذا الإعلام واعطائه الشرعية أمام الجمهور، وظل الإعلام التقليدي متوقفا عند نفس النقطة وله اجتهادات محدودة في تطوير وسائط الإعلام الجديد.

بينما تتعامل الحكومة مع وسائل الإعلام التقليدية بنوع من الفوقية باعتبار أنها في حكم المضمون. وكان واضحا ان الارتباك الحكومي خدم وسائل الإعلام الجديد وكسب ارضية ودعم اكبر على حساب الإعلام التقليدي.

يبدو ان دور شبكات التواصل الاجتماعي في الثورات العربية جعل الحكومات الأخرى تتخوف من هذا الضيف المربك، وكان واضحاً ان هناك قرارات حكومية تتخذ تفاعلاً مع ما يكتب في الإعلام الجديد، وخطورة التفاعل من الحكومة واتخاذ القرار نتيجة توجهات الجمهور في الإعلام الجديد أن هذه المؤشرات قد تكون موجهة سواء من قبل جهات او دول، وقد كشفت تقارير أن دولاً تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للتشويش الداخلي في الدول الأخرى.

من جانب آخر تعاني بعض المؤسسات التقليدية من صعوبات نتيجة هذه المتغيرات، والتجربة التي نراها الآن في الدول المتقدمة تكشف إلى أي مدى تضررت الصحافة التقليدية مما ادى إلى اغلاق بعضها وافلاس مؤسسات أخرى، وربما هذه ميزة لدول المنطقة أن تستفيد من هذه التجربة وتبدأ في الاستعداد والتأقلم مع الشكل الجديد للإعلام، والمؤسسات الضخمة مثل النيويورك تايمز والوول ستريت جورنال استطاعت ان تنجح في فرض رسوم على زوار الموقع مما حقق لها دخلاً قوياً وينمو بوضوح.

ولكن هذا يشترط وجود خدمات اضافية تبرر الرسوم المفروضة.

الصحافة التقليدية أمام تحديات هائلة والخطأ الذي تقع فيه بعض المؤسسات الصحافية هو انها تسعى للحاق بركب الإعلام الجديد من خلال تكرار نفس المحتوى الورقي على الالكتروني وهذا يضر بالاثنتين، والإشكالية في العالم العربي ليست قضية تكنولوجيا ووسائط جديدة فحسب بل هي مرتبطة بالنموذج الإعلامي المستخدم.

 فهناك تراجع الثقة من الجمهور في الإعلام التقليدي وانجذاب نحو الوسائط الجديدة نتيجة المحتوى المختلف والمباشر، والحكومات تتحمل مسؤولية في ذلك فهي لا يمكن ان تمارس الدور السلطوي على المؤسسات التقليدية فيما تندفع هي نفسها إلى الإعلام الجديد وتصبح أحياناً رهينة لتوجهات الرأي العام فيه.

 

Email