«داعش» أمام مواجهة دولية صارمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإرهاب ظاهرة قديمة وجدت بأشكال ونماذج شتى مارسها أفراد أو مجموعات قبلية أو عصابات إجرامية إلا أنها انتقلت إلى عالم السياسة في سبعينيات القرن الماضي في أكثر من دولة على شكل ممارسات تقوم بها جماعات على درجة عالية من التنظيم والقدرات نذكر منها الألوية الحمراء في إيطاليا وبادر ماينهوف في ألمانيا ومنظمة العمل المباشر في فرنسا والجيش الجمهوري الإيرلندي في بريطانيا والباسك في إسبانيا والجيش الأحمر في اليابان والخمير الحمر في كمبوديا ومجموعة كارلوس التي نفذت عمليات كثيرة في أوروبا والشرق الأوسط.

جميع هذه التنظيمات بنيت على أيديولوجيات سياسية أو حملت أجندات وطنية وأغلبها في الأصل حركات يسارية متطرفة لجأت إلى عنف غير مسبوق في تنفيذ أجندتها ولم تستثني المدنيين من دائرة عنفها، والمنظمات الإرهابية الجديدة مثل القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم داعش هي الأخرى تستند إلى أسس أيديولوجية وتلجأ إلى أساليب غير مسبوقة في التعامل مع الآخرين متجاهلة وضاربة عرض الحائط كل مكتسب حضاري معاصر صنعته قيم الحياة المدنية، ووجدت هذه التنظيمات حواضن لها بسبب الإحباط وحالات اليأس.

على الرغم من عدم وجود توافق دولي على تعريف قانوني للإرهاب فقد وضعت كل من الدول والهيئات الأكثر حساسية لظاهرة الإرهاب والتي اكتوت أكثر من غيرها بنيرانه وهي استراليا وكندا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والهند وروسيا وضعت عدداً من المنظمات ذات التأثير المباشر في أراضيها في قائمة الإرهاب.

حيث بلغ مجموع هذه المنظمات مائة واثنان وثلاثون منظمة، وتعتبر بريطانيا الدولة التي وضعت أكبر عدد من هذه المنظمات في خانة الإرهاب، والتمعن بطبيعة هذه التنظيمات يكشف أن هناك درجات متفاوتة في خطورتها.

ففي الوقت الذي يشكل الجيش الجمهوري الإيرلندي مخاطر على الأمن في بريطانيا فهو ليس كذلك لدول أخرى في أوروبا أو أميركا، وذلك لأن أهداف هذا التنظيم تتعلق بعدم شرعية تبعية إيرلندا الشمالية لبريطانيا.

من جانب آخر كان تنظيم القاعدة ولا يزال يعتبر الأكثر خطراً لأنه لا يستهدف الحصول على مكسب في الأرض قدر ما يسعى للحصول على مكسب في ضرب مصالح الدول العظمى، كما جرى في الحادي عشر من سبتمبر 2001.

وعلى الضد من تنظيم القاعدة وأهدافه نرى أن تنظيم داعش وجبهة النصرة يسعيان للحصول على مكاسب على الأرض وهو ما حققاه في سوريا والعراق بدرجات متفاوتة، حيث تمكن تنظيم داعش من تحقيق اختراقات كبيرة غير متوقعة خاصة في العراق، حيث تمكن من السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي وعلى مدن كبيرة وحصل على الكثير من الأسلحة والمعدات الحديثة وسيطر كذلك على مبالغ مالية كبيرة، وقد ارتكب هذا التنظيم أشنع الممارسات في المناطق التي أصبحت تحت سيطرته مما جعل الرأي العام العالمي يجد صعوبة في استمرار تجاهل ذلك.

في الآونة الأخيرة سارعت منظمات عالمية في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد هذه التنظيمات، فقد اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع باعتبار تنظيم داعش والنصرة والتنظيمات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة تنظيمات إرهابية يخضع التعامل معها للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مما يسمح باللجوء إلى القوة في التعامل معها ووضع الكثير من الضوابط لمحاصرتها وتجفيف منابعها المالية ومحاسبة الدول التي توفر لها الدعم والحواضن.

واتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً بتسليح قوات البيشمركة في إقليم كردستان الذي يقاتل داعش، حيث بادرت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى تزويد الإقليم بالسلاح، هذا في الوقت الذي قررت خمس وعشرون عشيرة في محافظة الأنبار حمل السلاح والقتال ضد داعش وطردها من المحافظة مرسلة بذلك رسالة دعم للدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء الجديد الذي تأمل أن ينظر إلى مطالبها بعد أن رفض سلفه ذلك ودخل معها في صراع مرير على مدى السنوات المنصرمة.

من جانب آخر دخلت الولايات المتحدة المعركة في كردستان عن طريق تكثيف غاراتها الجوية على مواقع داعش وتشكيل مظلة لقوات البيشمركة الزاحفة لتحرير المناطق المحتلة، حيث نجحت في إعادة السيطرة على سد الموصل، وليس من المستبعد في ضوء هذا الاهتمام الدولي أن يصار إلى تحشيد بعض دول الناتو للقضاء على هذا التنظيم.

هذا في الوقت الذي تتزايد الضغوطات داخل المؤسسة السياسية الأميركية، جمهوريون وديمقراطيون، حول ضرورة نشر قوات برية أميركية في العراق من منطلق أن الضربات الجوية لا تكفي للحد من خطر هذا التنظيم، ومن المتوقع أن نشهد في القريب بعض الانحسار في نفوذ داعش في الأراضي العراقية ومزيداً من الانجرار الأميركي إلى ساحة المعارك.

 

Email