داعش.. نبتة »قطبية«

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال الأيام الماضية استولت »داعش« على المشهد العالمي، وتم تداول الاسم بشكل مفرط لم يسبق له مثيل، بعد سلسلة من الفظائع ارتكبها التنظيم في العراق وفي سوريا كذلك، وكانت كل الأخبار تسلط الضوء على المجازر المتتالية للتنظيم، وتم تداول صور وتسجيلات لأهم أعمال التنظيم من قطع للرؤوس وتهجير للأقليات وسرقة للمصارف وإقامه للحدود، كما يزعم التنظيم.

المشاهد كانت مرعبة وتقشعر لها الأبدان، وطبعاً تم إلصاق الإرهاب بالإسلام، كما جرت العادة أخيراً بعد كل عملية تقوم بها التنظيمات التي تطلق على نفسها »جهادية«، ومرّ أخرى تمت شيطنة الإسلام ووصفه بأقذع الأوصاف، كما فعلت شبكة »فوكس نيوز« الأميركية واسعة الانتشار، وهو بالضبط ما قامت به مُسبقاً بعد أحداث سبتمبر، حتى أن الكثير من المراقبين في أميركا حمّلوا »فوكس نيوز« مسؤولية العداء المفرط تجاه المسلمين في أميركا، بعد سلسلة من الاعتداءات طالت المراكز الإسلامية والشخصيات الإسلامية، حتى وصل بهم الأمر إلى حرق القرآن الكريم.

ما هي داعش؟ وكيف لتنظيم ينتمي إلى العصور الوسطى أن يستولي على المشهد العالمي في فترة قصيرة؟ ووفق أي أيديولوجية يعمل التنظيم؟ وهل تختلف داعش عن التنظيم الأم »القاعدة«؟ وهل من العدل إلصاق اسم الإسلام بتنظيمات راديكالية كداعش والقاعدة وغيرها؟

تعود الحكاية إلى أبريل عام 2013، عندما أعلن »أبو بكر البغدادي« زعيم ما يسمى »تنظيم الدولة الإسلامية في العراق« وخليفة أبو مصعب الزرقاوي، توسيع نشاط تنظيمه ليصل إلى الشام، وإعلان ضم ما يسمى »جبهة النصرة« ليصبح التنظيم تحت اسم »الدولة الإسلامية في العراق والشام«، وهو ما يطلق عليه حالياً بلغة الترميز الحرفي »داعش«.

هذا الإعلان تم رفضه من قائد »جبهة النصرة« الجولاني، بل أعلن أن بيعته فقط لأيمن الظواهري القائد الفعلي لتنظيم القاعدة، وسرعان ما دخل التنظيمان في صراعات ومعارك طاحنة فيما بينهم، رغم أنهم خرجوا من الرحم نفسه »القاعدة«.

وبعد كل هذه الخلافات بين البغدادي والجولاني، آن للأب الروحي أيمن الظواهري أن يخرج حتى يضع النقاط على الحروف، ويقوم بما يجب أن يقوم به أي أب يرى أبناءه في حالة خصام، وسرعان ما خرج بتسجيل صوتي وأعلن وجوب بقاء تنظيم الدولة الإسلامية في الأراضي العراقيه وترك الساحة السورية لجبهة النصرة، الأمر الذي رفضه البغدادي بشدة، بل اتهم أيمن الظواهري بشكل مباشر بأنه قد ارتكب مخالفات شرعية ومنهجية لا تُغتفر، وقال في تحدٍّ واضح لزعيمه الروحي »الظواهري«: »إن الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية ما دام فينا عرق ينبض أو عين تطرف، لن نساوم عليها أو نتنازل عنها حتى يظهرها الله أو نهلك دونها«.

هنا، وصلت التنظيمات »الجهادية« في ما بينها إلى نقطة اللاعودة، فالمشاكل أصبحت مُعلنة وتبادل الاتهامات صار بشكل يومي، بل إن البغدادي زعيم ما يسمى »داعش«، كفّر التنظيم الأم »القاعدة« وأخرجه من ملة الإسلام، بعد أن دعم الظواهري توجه »جبهة النصرة«، وهو الأمر الذي استغله لاحقاً النظام السوري بكل خبث، في تغيير الكثير من التوازنات في ساحات المعارك في سوريا.

هنا أصبح الخلاف بين الدولة الإسلامية من طرف وبين القاعدة من طرف آخر، وخرجت داعش من جلباب القاعدة بشكل نهائي. كل هذا لا يهم، والأهم حالياً أن نعرف هل هناك اختلاف بين داعش وجبهة النصرة وبين القاعدة الأم؟ وهل هناك اختلافات أيديولوجية بين التنظيمات المتناحرة؟ أم أن كل ما في الأمر نزاع مصالح وسلطة، ليس إلا؟

المتابع لتاريخ التنظيمات »الجهادية« التي ظهرت أخيراً، وخصوصاً بعد الحرب الأفغانية السوفيتية، سيلاحظ أن كل التنظيمات تتشابه في أمور عدة، بداية من آلية التنظيم وانتهاء بالشخصيات التي رسمت الأفكار الأولية، أو دعونا نقول »دساتير التنظيمات«.

فالقاعدة على سبيل المثال، لا ترى أي حرج في إراقة الدماء، سواء كان الطرف الآخر مسلماً أو من أي ديانية أخرى، وهذا ما جرى في العراق سابقاً بعد سقوط بغداد من استهداف للمدنين المسالمين وكذلك للقوات الأجنبية هناك، وهو ما جرى ويجري في اليمن كذلك، وفي السعودية سابقاً، وكذلك تقوم داعش بالتصرفات نفسها في سبيل تحقيق غايتها، فلا تفرق بين المصالحين وبين المسلمين، وحتى نكون أكثر وضوحاً، فهم لا يفرقون بين أي حد.

والملفت للنظر أخيراً ليس صور القتلى ولا المجازر، بل مجموعة من الصور لبعض مجرمي تنظيم داعش وهم يقرأون بعض كتب سيد قطب، بل إن الكثير ممن يديرون الآلة الإعلامية للتنظيم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، يقتبسون الكثير من كتب سيد قطب، ويسقطون هذه الاقتباسات على ما يجري حالياً، وهو تمطيط معروف للنصوص اعتاد »القطبيون« استخدامه لتطويع الواقع على اقتباسات تكفيرية من كتب سيدهم، التي تزخر بتكفير المجتمعات المسلمة.

ولا غرابة فهو سيد الخوارج في العصر الحديث بلا منازع، وهنا نحن لا نتبلى على الرجل بل من كتبه ندينه، فسيد قطب في كتابه الشهير »في ظلال القرآن« قال:» لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين بلا إله إلا الله، فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن: لا إله إلا الله«.. إلى آخر كلامه. ويقول في كتابه الآخر »معالم في الطريق«: إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون، وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يريد أن يخدع نفسه أو يخدع الآخرين، فيعتقد أن الإسلام ممكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئاً، ليس هذا إسلاماً وليس هؤلاء مسلمي«.

سيد قطب له سابقة في تكفير المجتمعات المسلمة، وهو ما يتطابق فعلياً وعملياً بما تقوم به القاعدة وداعش وما ينظّر له قادة التنظيمين بشكل دائم، ولا غرابة فسيد قطب قالها سابقاً «إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة، ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله، والفقه الإسلامي«. وهو بالفعل ما تؤمن به القاعدة وداعش، أنهم آخر المسلمين، وأن كل من على وجه الأرض كافر حتى ولو نطق الشهادة.

علينا أن نعي أن كل قادة التنظيمات الجهادية، بداية بكبيرهم أسامة بن لادن وانتهاء بالبغدادي، قد تشربوا فكر سيد قطب حتى الثمالة، وأن جميعهم يستخدمون الألفاظ والكلمات نفسها التي طالما استخدمها »سيد« في كتبه، ويدندنون على وتر جاهلية المجتمعات وردتها.. ودعونا لا ننسى أن »بن لادن« تأثر بشخصيتين أثناء دراسته في الجامعة، وهما محمد قطب وعبد الله عزام، والأول هو شقيق سيد قطب وهو من كان يشرف على طباعة كتب »سيد« بعد وفاته، دون تعديل ولا حذف للكفريات والطوام الموجودة فيها.

Email