كيف نحدد سعر السعادة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تخلو أحاديث الفتيات عن مواصفات فتى الأحلام، وفي حديثي مع مجموعة من الصديقات شدني تعليق إحداهن وكانت تصغرنا سناً.. قالت إن من أهم المواصفات أن يكون غنياً لكي يحسن من وضعها المعيشي.

استغربت حديثها عن الوضع المعيشي، خاصة أنني توقعت أن الجيل الجديد قد يختلف في تفكيره وفي نظرته للأمور، وحول موضوع الارتباط والزواج.. ولكن بعد حوارات طويلة مع فتيات من هذا الجيل، اكتشفت أنني كنت مخطئة.

واستمر الحديث حول مواصفات الفارس الذي سيأتي جالباً السعادة، بكل ما سيحمله في جعبته من مواصفات، سواء من جاه أو أصل أو فصل أو أخلاق أو وظيفة أو استثمارات سيجرها معه أو غيرها.. وغيرهن قلن «ظل راجل ولا ظل حيطة»، المهم الستر، وأخريات لم يرين في الزواج أية إضافة إذا لم يقم شريك المستقبل بإضافة مهمة إلى حياتهن.

السؤال الذي كان محور الحديث وحاول الجميع إجابته هو: هل المال يجلب معه السعادة فعلاً؟ وإن كان كذلك فما هو كم المال الذي نحتاجه لنشعر بالسعادة الفعلية التي تنبع من سويداء القلب؟ ما هي طبيعة العلاقة بين الثروة والسعادة؟ هل هما مترادفتان؟ الكثيرون يدعون أنهم ليسوا مقتنعين بالمستوى المعيشي الذي هم عليه اليوم.

ويتمنون لو يستطيعون تغييره، وهذا قد يفسر سبب نجاح كثير من المسابقات التلفزيونية، التي تعد المتصلين بالملايين عبر مكالمة قد تغير حياتهم! ومن البديهي أن المال سيجلب السعادة للمحرومين من أساسيات الحياة، من مأوى وغذاء وأمان واستقرار، ولكن لن يكون له التأثير نفسه على غيرهم من البشر.

لنتخيل أننا أعطيناك مئة ألف درهم وأعطيناك حسب الخيارات التالية: الأول؛ الاستثمار والتوفير للمستقبل (منزل، زواج، وديعة..)، الثاني: شراء شيء من الكماليات، الثالث: التبرع بالمبلغ كاملاً إلى الهلال الأحمر.

البعض سيختار الخيار الأول، خاصة من هم مقبلون على زواج أو لديهم مشروع أو من لهم فكر استراتيجي كبير ورؤى مستقبلية ثاقبة، وأعتقد أن كثيراً من الشباب ومن يعيشون ليومهم سيختارون الخيار الثاني، وقليلون جداً سيقبلون على الخيار الثالث.

ولا خطأ أو صواب في أي خيار، فكل يختار ما يناسبه حسب الظروف التي يمر بها، ولكن لنفترض أننا سنعطيك المبلغ نفسه الأسبوع الذي يليه، فهل ستغير خيارك للمئة ألف الثانية؟ ربما..

ولنقل أننا ولأسبوع ثالث أضفنا مئة ألف أخرى، هل سيتغير الخيار؟ وفي كل أسبوع، ما مقدار السعادة التي ستشعر بها؟ السعادة في الأسبوع الأول ستكون في قمتها، وفي الأسبوع الذي ستليه ستكون أقل، والأسبوع الثالث ستقل أكثر، مع أن المبلغ لم يتغير.

لقد أثبتت الدراسات أن المال يجلب سعادة مؤقتة لصاحبه إذا لم يكن ثرياً، وإن كان ثرياً فإنه يحفه بنشوة مؤقتة فقط! ووجد الباحثون أن الأشخاص سيكونون سعداء وعلى قدر عال من الرضى بما هم عليه، عندما يتم سؤالهم عن أحوالهم المعيشية بعزلة عن الغير.

ولكن حين تتم إضافة معطيات أخرى إلى المعادلة، كالأصدقاء أو الأقارب أو المعارف أو الشخصيات التي يتأثرون بها، فمقدار السعادة لديهم يتغير ويسوء تدريجياً.

فالمقارنات تصنع عندهم إحساساً بعدم الاكتفاء وعدم الرضى، والرغبة في اقتناء المزيد من الحاجيات والكماليات، وبذلك تزيد لديهم الرغبة في الحصول على المزيد من المال، رغم أنهم في بداية إجابتهم عن أسئلة البحث لم يكونوا بحاجة إليها.

يريدون المال بإلحاح، لمجرد أنهم تذكروا أن فلاناً يملك شيئاً طالما تمنوا اقتناءه.. فهي تريد عقد «فان كليف» بصدفته البيضاء، وهو يريد محفظة «جوتشي» المخططة بالأحمر والأخضر.. وشتان بين الضروريات الحياتية والكماليات!

ناتج الدراسات المختلفة باختصار، هو أن مقدار السعادة ليس مرتبطاً بالمال، وأن أسعد الناس هم من يستمتعون بتسخير أموالهم فيما يحبون وللأشخاص الذين يحبونهم.

وعندما أتكلم عن الأشياء التي يحبونها، لا أقصد شاشات تلفاز ضخمة أو سيارات مزودة بإضافات صوتها يثقب الآذان، أو حقائب «هيرميس» من جلد النعام النادر، أو غيرها من الكماليات التي تكلف الآلاف من الدراهم..

بل أقصد حين يفكرون بطرق غير تقليدية، كأن يستثمروا أموالهم في اللحظات التي ستحفر في الذاكرة إلى الأبد، كعشاء على إطلالة خلابة، أو رحلة بحرية على متن قارب، أو تذاكر إلى وجهة سياحية لطالما أرادوا زيارتها. فالثراء الحقيقي في الذكريات التي تصنعونها ومن خلال المواقف ومن خلال تفاعلكم مع البشر من حولكم.

فقيمة الذكرى لا تتغير مع مرور الوقت والزمن، فهي ليست كالأشياء المادية التي تشترونها والتي تفقد قيمتها مع مرور الوقت.. مشكلتنا تكمن في مسألة القناعة بما نملك، فننسى أننا في يوم ما كنا نتمنى أن نكون على ما نحن عليه اليوم.

ففور حصولنا على ما كنا نتمناه، نبدأ برسم خط أساس جديد لهدف أكبر. السعادة الحقيقية لا تكمن في المال نفسه، بل في كيفية تسخيره لصنع الابتسامة على وجه من نحب، فلنصنع تلك الابتسامات قدر المستطاع، ولنتوقف لوهلة لنحمد الله على كثير من النعم التي ننعم بها الآن.

 رزقك لن يشاركك فيه أحد ولن تشارك أحداً في رزقه، فأحسن التصرف بما لديك واحمد الله دوماً، ولا تقلق لأن كل دقيقة في القلق على المستقبل هي دقيقة تهدرها من حاضرك. لا تحسد ولا تحقد على أحد، فهذا نصيبهم وقسمتهم، وتذكر أنك تملك كثيراً من الأشياء التي حُرم منها غيرك.

 

Email