اليابان وحق الدفاع الذاتي الجماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الأول من يوليو 2014 وافق مجلس الوزراء الياباني على قرار جريء يسمح لليابان بممارسة حق الدفاع الذاتي الجماعي. فتخوفت الصين وكوريا الجنوبية من عودة النزعة العسكرية اليابانية.

اعتمد آبي سياسة إعادة تفسير دستور اليابان السلمي دون إدخال أي تعديلات هامة على مواده. ودافع في مجلسي الشيوخ والنواب بقوة عنها لأنها ترمي إلى تعزيز الأمن الذاتي الجماعي من خلال جيش وطني يحمي مصالح اليابان ويحررها من موقع الدولة المستضعفة. فهي الوحيدة في العالم التي لا تزال تخضع لعقوبات الحرب العالمية الثانية بعد أن تحررت منها ألمانيا وإيطاليا منذ عقود طويلة.

الشعب الياباني يرفض النزعة العسكرية ولا يرغب في دخول اليابان مجددا سباق التسلح. ودلت استطلاعات الرأي على أن نسبة كبيرة من اليابانيين يفضلون القوة الناعمة التي رفعت اليابان إلى المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي.

واعتبرت بعض القوى اليابانية أن خطوة آبي طبيعية ولا تحدث تبدلات هامة في سياسة اليابان الداخلية والخارجية. ومن الطبيعي أن تطالب اليابان بالتحرر من تبعيتها العسكرية للولايات المتحدة الأميركية. فقد مددت الحكومات اليابانية المتعاقبة مرارا الاتفاقية العسكرية مع الأميركيين. وفي كل مرة كانت التظاهرات الصاخبة تعم اليابان. فالاعتماد الدائم على الحماية الخارجية يسيء إلى صورة اليابان في العالم.

لقد دفعت اليابان ثمنا كبيرا لحقبة من تاريخها الحديث تميزت بغلبة النزعة العسكرية التوسعية لخدمة الاحتكارات اليابانية الكبرى. واستخلصت الدروس المستفادة من هزيمتها العسكرية لتبني نهضة ثانية مستمرة على قاعدة القوة الناعمة، والدستور السلمي، والعلوم العصرية، والتكنولوجيا المتطورة، وبناء مجتمع المعرفة القادر على مواجهة تحديات عصر العولمة. ويدرك الرئيس آبي جيداً أن الظروف الدولية تبدلت بالكامل. ويدرك أيضا أن الشعب الياباني لا يرغب إطلاقا بالعودة إلى النزعة العسكرية التي لم تعمل في الماضي لخدمة اليابان، كما أن التهديد بها اليوم ليس في مصلحة اليابانيين في ظروف صعود الصين والهند وروسيا عسكريا مقابل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

نخلص إلى القول ان نسبة كبيرة من الشعب الياباني وقواه الديمقراطية والليبرالية ترفض عودة اليابان إلى سباق التسلح الذي يسيء إلى صورتها على المستوى الكوني ويشكل أقصر الطرق لضرب اقتصادها السلمي الذي يعاني أزمات متلاحقة منذ العام 1993.

وقد ازدادت حدة بعد الزلزال المدمر الثلاثي الأبعاد الذي ضرب منطقة فوكوشيما في 11 مارس 2011 وما أعقبه من تسونامي هائل، وتسرب إشعاعات من المفاعلات اليابانية المتضررة. ودفعت اليابان أكثر من ثلاثمئة مليار دولار لمواجهة ما خلفه الزلزال المدمر. إن إعادة تفسير بعض مواد دستور اليابان لا تعني أبدا التنكر لروحيته السلمية. وهدفها إثبات قدرة الشعب الياباني على حماية نفسه بقواه الذاتية. فهناك أكثر من اربعين ألف جندي أميركي يرابطون على أراضي اليابان. وهم يرتكبون أعمالا أخلاقية شائنة دفعت عشرات آلاف اليابانيين للتظاهر مرات عدة ضد وجودهم على أرض اليابان، وبشكل خاص في منطقة أوكيناوا.

وليس ما يشير إلى أن اليابان قادرة أو راغبة في بناء دولة معسكرة تهدد جيرانها الأقوياء كالصين والهند ودول آسيوية أخرى. وتدرك جيدا أن زمن الإمبريالية ولى إلى غير رجعة. وأن شعبها دفع الثمن غاليا من الأرواح والدمار الاقتصادي الهائل الذي لحق به بسبب نزعة عسكرية توسعية أساءت إلى شعب اليابان، وأضرت بمصالحها الحيوية، وتركت ذكريات أليمة لا تنسى في ذاكرة الشعوب الآسيوية المجاورة. بعد هزيمة النزعة الإمبريالية اليابانية التي اعتمدت القوة العسكرية للسيطرة على الشعوب المجاورة اختارت اليابان القوة الناعمة لإطلاق نهضتها الثانية والتعاطي الإيجابي مع العالم.

وأثبتت طوال سبعة عقود أنها غير راغبة في العودة إلى استخدام القوة العسكرية. وهي على قناعة تامة من أن الدفاع عن مصالحها الحيوية في عصر العولمة يبنى على القوة الناعمة وليس على القوة العسكرية. وما زال شعبها ملتفا حول دستورها السلمي، ولديها سياسة عقلانية مع دول الجوار الآسيوية، وتشارك بفاعلية في التحضير لجعل القرن الحادي والعشرين آسيوياً بامتياز.

Email