الصين وأميركا نحو مواجهة كارثية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يجد كثير من الناس صعوبة في فهم لماذا تتصرف الصين على هذا النحو في بحري الصين الشرقي والجنوبي. ماذا تأمل بكين تحقيقه من خلال استعداء جيرانها وتقويض الاستقرار الإقليمي؟ اسمحوا لي أن أقترح إجابة عن هذا السؤال.. تسعى الصين لبناء ما يطلق عليه الرئيس الصيني شي جين بينغ »نموذجاً جديداً من علاقات القوى العظمى«، ولفهم كيف يمكن أن يكون هذا هدف التحركات الصينية، ينبغي أن ندرك أنه في ظل »نموذجه الجديد« يرغب جين بينغ في أن تمارس الصين سلطة ونفوذا في آسيا، أكثر بكثير مما فعلت على مدى القرون القليلة الماضية.

وهذه الأشياء بطبيعتها محصلتها صفر، وفي سبيل أن تحظى الصين بمزيد من السلطة والنفوذ، ينبغي على أميركا أن تحظى بأقل منهما، وهذا ما يحاول جين بينغ وزملاؤه تحقيقه.

ومنطق تفكيرهم بسيط، فهم يدركون أن موقف أميركا في آسيا يستند إلى شبكة من التحالفات والشراكات مع العديد من جيران الصين، ويعتقدون أن إضعاف تلك العلاقات أسهل طريقة لإضعاف قوة الولايات المتحدة في المنطقة، وأنه وراء العبارات الدبلوماسية المنمقة، فإن الأساس في تلك التحالفات والشراكات هو وثوق الأصدقاء الآسيويين بأن الولايات المتحدة الأميركية قادرة على حمايتهم من قوة الصين، وعلى استعداد للقيام بذلك. وبالتالي، فإن أسهل طريقة بالنسبة لبكين لإضعاف قوة واشنطن في آسيا، هي تقويض هذه الثقة.

والطريقة الأسهل للقيام بذلك، هي أن تقوم بكين بالضغط بقوة على أولئك الأصدقاء والحلفاء في مسائل لا تتعلق بمصالح أميركا المباشرة، مثل سلسلة النزاعات البحرية التي لا توجد للولايات المتحدة مصلحة مباشرة فيها. وباستخدام الضغوط العسكرية المباشرة في تلك النزاعات، تجعل الصين جيرانها أكثر حرصا على الدعم العسكري الأميركي، وفي الوقت نفسه تجعل أميركا أقل استعدادا لمنحه، بسبب الخطر الواضح لصدام أميركي صيني مباشر. بعبارات أخرى، من خلال مواجهة أصدقاء الولايات المتحدة بالقوة العسكرية، تضع الصين أميركا أمام خيار قوامه إما التخلي عن أصدقائها أو محاربة الصين.

وتراهن بكين على أنه في مواجهة مثل هذا الخيار، ستتراجع أميركا وتترك حلفاءها وأصدقاءها من دون دعم. وهذا سيضعف تحالفات أميركا وشراكاتها، ويقوض قوة أميركا في آسيا ويعزز قوة الصين. وجهة النظر تلك بشأن دوافع الصين، تفسر سلوكها الأخير.

ومنذ إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما سياسة »التمحور« حول آسيا، قامت الصين باختبار استعدادات أميركا لدعم حلفائها في النزاعات حول مياه »سكاربورو« الضحلة وجزر »سنكاكاو« أو »دياياو«. وحتى جولته الآسيوية الأخيرة، بدا الرئيس أوباما ميالا للتراجع عن التزامات أميركا، لكن كلماته الجريئة في طوكيو ومانيلا أشارت إلى كونه قد استعاد عزمه على الوقوف بحزم أمام الصين.

والآن يمكننا أن نتوقع من الصين امتحانا لهذا العزم المستعاد، من خلال تشديد الضغوط على الأماكن نفسها أو غيرها، وهذا ما تقوم به بكين اليوم في المياه قبالة فيتنام. إنها تتحدى أوباما بعرض للقوة، ولنتوقع مزيدا من الضغوط على مانيلا وطوكيو قريبا.

وطبعا هذا الوضع ينطوي على مخاطر بالنسبة للصين، فهي لا تريد محاربة أميركا، لذا يتوجب عليها أن تكون واثقة من حكمها بأن أميركا سوف تتراجع وتتخلى عن أصدقائها، بدلا من التورط في صراع مع الصين، حتى لو أن التراجع يضعف بشدة موقف أميركا في آسيا. ويعكس هذا الوثوق اتخاذ قادة الصين حكمين رئيسيين:

أولاً، يعتقد قادة الصين أن قدرتهم على منع أميركا من النفاذ إلى مناطق جديدة، تحد من قدرتها على تحقيق نصر سريع وسهل إذا حدثت اشتباكات بحرية في سواحل شرق آسيا. وقد جرى تطمينهم من قبل العقيدة الأميركية »معارك الجو البحر«، التي تدرك أميركا أنها لا يمكن أن تسود في تلك المياه من دون إطلاق حملة غارات كبيرة على الأراضي الصينية، ومن الواضح أن مثل تلك الغارات تهدد بتصعيد جسيم قد لا يقف عند العتبة النووية.

وبالتالي، يعتقد قادة الصين أن نظراءهم الأميركيين يدركون أن أميركا، في أي حرب مع الصين اليوم، لا يمكن أن تكون واثقة من أنها إما ستفوز أو ستضع حدوداً لها.

ثانياً، تعتقد بكين أن التوازن في العزم هو لصالحها، وترغب واشنطن بوضوح في الحفاظ على دورها في آسيا، لكن بكين أكثر تصميماً على الفوز بالقوة على حساب الولايات المتحدة. وسلوك الصين يشير إلى أن القيادة في بكين تعتقد أن واشنطن تدرك عدم التوازن في العزم، وهذا يجعل الصينيين واثقين من أن قادة أميركا لن يفترضوا أن الصين ستتراجع أولا في الأزمة.

وفكرة أن الصين ربما تعتقد بتلك الأشياء تأتي كمفاجأة بالنسبة للكثيرين خارج الصين، وهناك ما يدعو للشك في أن بينهم عدداً كبيراً في واشنطن.

والسياسة الأميركية تجاه الصين، بما في ذلك سياسة التمحور حول آسيا، تستند إلى افتراضات مناقضة لذلك تماماً. وتُجمع الآراء على أن بكين ليست جادة فعلاً بشأن تحدي القيادة الأميركية في آسيا، لأنها ليست على استعداد للمخاطرة بمواجهة معها. وإذا كان هذا صحيحاً، فإن سلوك الصين عبارة عن سلوك أحمق بوضوح. لكن قبل افتراض ذلك، سيكون من الحكمة التساؤل عما إذا كانوا فعلا يعتقدون ما تفترض واشنطن أنهم يعتقدونه، وأنا واثق أنهم لا يفكرون وفق هذا النمط. وآسيا اليوم بالتالي، تحمل بذور حادثة عرضية كارثية من سوء الفهم المتبادل.

وترفع واشنطن والصين بثبات الرهانات في تنافسهما، حيث تزداد فجاجة استفزازات الصين لأصدقاء أميركا وحلفائها، فيما تصبح التزامات أميركا بدعمهم قاطعة بصورة أكبر. ويعتقد الجانبان أن بإمكانهما القيام بذلك بحصافة، لأنهما يعتقدان أن الطرف الآخر سيتراجع لتفادي الصدام.

وهناك احتمال كبير يدعو للقلق أن يكون كلاهما على خطأ، ومن الضروري أن يقوم أحد ما بتغيير طبيعة اللعبة لدرء خطر وقوع كارثة.

Email