العولمة وشعارات الخريف العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

«عيش وحرية وعدالة اجتماعية»، شعارات طالما ترددت في كل ميادين بلاد ما يسمى «الربيع العربي»، والعولمة أيضاً تؤمن «بالمساواة»، إلا أن سياساتها واتفاقياتها الاقتصادية والاجتماعية تهتم بتحقق المساواة بين الدول المتقدمة فقط، وليس بينها والدول النامية والفقيرة! كما أنها لا تحقق المساواة بين مواطني الدول المتقدمة، خاصة من المهاجرين أو من الأقليات الدينية أو العرقية.

وهذا الفهم الجزئي والتطبيق القاصر للمساواة، يخلق مشكلات عديدة بين الدول وبين مواطني البلد الواحد. وتدعو العولمة للعدالة، لكن سياساتها واتفاقياتها الاقتصادية والاجتماعية لا تحقق العدالة بالمفهوم المعروف لهذه القيمة! فتحاول العولمة تحقيق العدالة في الدول النامية والفقيرة، من منظور غربي يكون في معظم الأحيان متحيزاً ولا يراعي ديانات تلك الدول ولا الثقافات المحليات فيها، ولا المصالح الاقتصادية للطبقات الفقيرة، إنما الأهم لديها هو نشر الهيمنة، وتأمين التجارة والمواصلات، ووجود القيادات الموالية لها.

وهذا الفهم السلبي لقيمة العدالة قد يؤثر في الدول الإسلامية، بأن يجعلها تسير في ركب الدول الغربية، بما يجعل بعض المسلمين في حيرة وارتباك، والبعض الآخر يقل الوازع الديني لديه، وفريق ثالث قد يتشرب الثقافة المستوردة.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن العولمة لم تؤدّ إلى دعم مبادئ الحرية والمساواة كما ادعى مروجوها، بل العكس! فقد أدت إلى تزايد العنصرية ومعاداة الأجانب، وهذا ما أكده أحد تقارير المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حيث أوضح أن الدول الفقيرة لم تستفد مما أفرزته العولمة من انفتاح الأسواق وثورة المعلومات وغيرها من إيجابيات، بسبب تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وأن الدول الغنية والكبرى فضلت الاحتفاظ بثرواتها لنفسها، دون أدنى محاولة لردم الفجوة بينها وبين الدول الفقيرة، بل عمدت إلى تعميق الكراهية ضد الأجانب القادمين من الدول الفقيرة لتحسين أحوالهم المعيشية، بتحميلهم مسؤولية كل الأمراض التي تعاني منها.

ومصطلح العولمة Globalization من أكثر المصطلحات استخداماً في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، وعلى جميع المستويات، سواء الأكاديمي أم مستوى أجهزة الإعلام والرأي العام، أم على مستوى الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية، وذلك لأن العولمة لها من الجوانب والزوايا ما يثير اهتمام كل هؤلاء. ويشير مفهوم العولمة إلى الانتشار المسيطر الواسع، للأنظمة التجارية والمالية والاقتصادية والتقنية والثقافية والسياسية، في كل أنحاء العالم، بحيث يرتبط العالم كله بنظام واحد.

والعولمة بمفهومها هذا، لها مدلولان مترابطان وهما: المدلول الفكري، أو العقائدي الفلسفي، الذي ينظر إليها على أنها نظرية أيديولوجية تغاير الشيوعية التي فشلت من قبل، التي كانت تعتمد على ملكية الدولة واحتكارها للاقتصاد والسوق المغلقة، بينما تعتمد العولمة على الانفتاح على العالم، والحرية الاقتصادية والسياسية، ونظام السوق العالمي المفتوح.

أما المدلول الثاني للعولمة فهو المدلول الذي ينظر لها على أنها عملية مادية، تتعلق بنقل ومبادلة السلع والخدمات والنقود والموارد والمعلومات عبر حدود الدول، من دون معوقات أو قيود ما عدا قيود وأنظمة التجارة العالمية.

والحقيقة أن المدلولين مترابطان ومكملان لبعضهما، وهما وجهان لعملة واحدة. ولا شك في أن التقنية المتطورة في ثورة الاتصالات والمعلومات الحديثة، أسهمت وتسهم بدور كبير في انتشار مفهوم العولمة فكراً وسلوكاً.

إذاً، نستطيع القول إن ظاهرة العولمة مرتبطة بظواهر كثيرة مختلفة، استجدت على معظم مجالات الحياة. ورغم كل ما يقال عن العولمة وتأثيرها في نظام القيم وتشكيل رؤية الفرد، لما أحدثته وما سوف تحدثه من تغيرات جوهرية أو نوعية في أنماط السلوك والمعايير، فلا سبيل لمواجهتها إلا بتحريك ما في الإنسان من عنصر سامٍ، ليسمو فوق مستوى العولمة وتحدياتها، من خلال وعي أخلاقي وفكر مستنير.

Email