تريد زوجاً لأجل الجنسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حديث ودي على كوب قهوة، تخبرني صديقتي عن فتاة تعيش في الدولة وتعرفت إلى الكثير من أهل البلد وأخذت من طباعهم وعاداتهم، وعملت في إحدى المؤسسات فاستقرت ولم تعد تعرف من وطنها الأم سوى الزيارات الصيفية، حتى إنها تتحدث باللهجة المحلية التي أتقنتها في فترة قصيرة.

كانت الفتاة في سن الزواج وتقدم لها أشخاص من أهلها ومن بلدها، ولكنها ظلت ترفضهم من دون سبب واضح، وعندما فاتحتها صديقتي حول السبب، قالت لها إنها لا ترغب في زيجة لا تضيف إليها شيئاً، وهي في الواقع ترسم هدفاً لنفسها وهو الحصول على الجنسية الإماراتية.. وأسهل سبيل إلى ذلك هو الزواج بإماراتي!

ذهلت صديقتي ولكنها رغبت في تفاصيل أكثر، فأردفت الأخرى مفصلة خطتها المدروسة والمرسومة بأدق التفاصيل، والتي تعرب فيها عن رغبتها في شخص متزوج أصلاً لكي لا يتفرغ لها كلياً، ويكون لديه أطفال حتى تسهل عليها مطالبته بالجنسية بحجة التخوف من المستقبل والظروف، وألا يكون غنياً جداً حتى لا يطلب منها ترك وظيفتها، وأيضاً ألا يكون متعلماً (وبالأصح ساذجاً - أو بالعامية: مب مفتح عيونه على الدنيا).

قالت لها صديقتي: وأين لك أن تجدي فارس الأحلام هذا؟ فردت عليها: الخير وايد! لم يمر من الوقت الكثير حتى دعيت صديقتي لحفل زفافها، ومن ثم احتفلت بمولودها الأول، والآن هي في انتظار إصدار تلك الوثيقة المذهبة بالصقر لتعلنها للعالم: أنا إماراتية.

نسمع الكثير من هذه القصص بشكل شبه يومي، عن قصص الحب والعشق المجنون الواهية التي تنتهي في أروقة المحاكم. تبدأ دائماً بحصول الرجل على فتاة أحلامه التي طالما انتظرها، والتي تظهر في حياته كملاك أهداه الله إياها بعد طول انتظار وعناء.

تلك الفتاة الملاك التي تبدع في كل المجالات، فهي مثقفة ومتذوقة للشعر النبطي، وتستمتع بكل أغاني محمد عبده وميحد حمد، وهي أيضاً فنانة ورسامة وخطاطة و..، ومن الناحية المادية هي حريصة على ماله، ولا تكف عن تذكيره بأهمية المحافظة عليه وعدم التبذير، وتشعره بالذنب كلما أهداها شيئاً، وتخاف عليه أكثر من خوفها على نفسها.. هي باختصار باقة جامعة لكل ما هو جميل، هي مثالية، فيفعل المستحيل للاقتران بها فهي لا تعوض، وهو مستعد للتضحية بالكثير لينال رضاها حتى لو كان على حساب أسرته.

يتزوجون ويعيشون في جنة حتى استلامها للجنسية، وبعدها تطفو شخصيتها الحقيقية على السطح وتكشر عن أنيابها وتطالب بالطلاق.. يقاوم بعض الرجال لفترة فلا يطلق، ويمر بمرحلة الصدمة المريرة، فلا يود تصديق أن كل هذا الحب قد تلاشى، ويمر بكثير من الضغوط ومسلسل النكد اليومي الذي يجبره على التخلص من هذا الملاك.

لا أحب أن أعمم هذه الحالات على الجميع فليست كل النساء سواء، وهذه تمثل عينة أردت استعراضها لأولئك اللواتي يستغللن بعض الشباب (أو الشياب) لهدف غير الحب والاستقرار الأسري، فالكثيرات ممن استلمن الجنسية يقدمن على الطلاق بعد تحقيق الهدف، غير مباليات بكل ما يسببنه من تصدع أسري.

يخبرني والدي عن بعض من يعرفهم من الرجال الذين اقترنوا بنساء من هذه الشاكلة، فأصبحوا يقضون أيامهم بين مكاتب المحاماة وأمام القضاة لأسباب مختلفة، منها النفقة وحق الحضانة والطلبات المادية المختلفة، لينتهي به المطاف في جر خيبات الأمل والعيش في غياهب الديون والاستسلام للكآبة لتفكك أسرته، لأنه لم يكن سوى مطية للوصول لشيء أكبر.

وبعض القصص التي سمعتها ولا أستطيع ضمان صحتها، عمن يتزوجون شكلياً مقابل مبالغ تعطى لهم من قبل الراغبة في الحصول على الجنسية، فيتزوجون على سنة الله ورسوله ولا يعيشون عيشة الأزواج ولا يتواصلون إلا لإتمام الدفعات المستحقة عليهم، حتى حصولها على الجنسية وعندها يفض العقد ويتم الطلاق.

لقد مللنا من هذه القصص، لذا يجب وضع القوانين التي تحمي المواطن من هذه المواقف، فملف تجنيس زوجات المواطنين ذو أهمية كبيرة ولا يجب التهاون به.

وفي دول شقيقة تعامل الأجنبية معاملة المواطنة من حيث المميزات المقدمة من تعليم وصحة وضمان اجتماعي، مع توفير إقامة دائمة دون كفيل لتعزيز الاستقرار الأسري. فربما علينا النظر إلى هذه التطبيقات في هذه الدول، وتقييمها من حيث إيجابياتها وسلبياتها. فإذا كان الهدف من الزيجة هو المصلحة، فتطبيق ما طبقته دول شقيقة في هذا الشأن قد يردعهن.

وإذا كان الزواج سببه الحب والانسجام كما يدعون، فإن الحقوق ستصلها والإقامة الدائمة ستكفيها. لا أعتقد أنه يرضي أحداً أن يتم تقليل شأن جنسية الإمارات، ولا يجب أن تعطى إلا لمن استحقها فعلاً. والصعوبة الفعلية تكمن في تحديد معايير الاستحقاق، هل هي في ديمومة الزواج لفترة خمس سنين أو عشر أو عشرين سنة؟ هل هي في عدد الأطفال؟

هل هي في اختبار وتحليل نفسي لمعرفة ما تضمره النيات؟ أعلم أن هذا الموضوع سيثير حفيظة الكثيرين، ولكن أتمنى ألا تتم إساءة فهمي. وأؤكد أنه ليس كل الأجنبيات المتزوجات بالمواطنين طامعات في الجنسية، فكثيرات يتزوجن عن قناعة وليس لغرض المادة، وقمن بتربية أبناء على قدر عال من الأخلاق والثقافة ولسن هن المقصودات هنا. ولكن يجب التصدي لكل الاستغلاليات واللواتي يستخدمن أساليب ملتوية، ولنضع حداً لهذه الممارسات لضمان استمرار الاستقرار الأسري وعدم تفكيك الترابط الاجتماعي.

Email