المتاحف ذاكرة الشعوب والروابط الحضارية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتفل العالم خلال هذه الفترة باليوم العالمي للمتاحف، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على الدور المحوري للمتاحف في صناعة الحضارة وكتابة تاريخ المجتمعات. كلمة «متحف» باللغة العربية، تعني المكان الذي يجمع التحف والمقتنيات الثمينة والنادرة.

وتعود الكلمة الإنجليزية (museum) إلى الأصل اليوناني القديم (Mouseion) الذي يشير إلى المكان المخصص لآلهة الفنون التسعة في الأساطير الإغريقية القديمة، حيث كانت كل منهن راعية لنوع معين من الفنون.

وتهدف المتاحف بشكل رئيس إلى حفظ التراث الإنساني وحمايته من الاندثار، وتتنوع بين فنية تعرض اللوحات والأعمال الفنية من عصور مختلفة، وتاريخية تضم مقتنيات ووثائق وآثاراً قديمة، وعلمية تضم معروضات عن العلوم الطبيعية والتقنية والكائنات الحية.

تولي القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً كبيراً بقطاع المتاحف، فهي الذاكرة التي تختصر تاريخ الدولة وحضارتها الممتدة لآلاف السنين. قد يظن البعض أن تاريخ دولة الإمارات يعود لعشرات أو حتى مئات السنوات فقط، ولكن كان للاكتشافات الأثرية التي بدأت في منتصف خمسينات القرن الماضي، أثر واضح في كشف العمق التاريخي لحضارة الإمارات وتراثها، الذي امتد دون انقطاع لأكثر من ستة آلاف سنة.

وقد ساعدت الحفريات التي عثر عليها في جزيرة «أم النار» التي تبعد عن أبوظبي نحو 20 كلم، في تسليط الضوء على ثقافة السكان الأوائل للإمارات ونمط حياتهم. فمنذ حوالي 2600 إلى 2000 سنة قبل الميلاد، عمل السكان في الصيد وصهر النحاس، والتجارة خارج الحدود حتى وصلوا إلى بلاد الرافدين ووادي السند.

وتضم الدولة عدداً كبيراً من المتاحف في مختلف إماراتها، تجمع آلاف القطع الأثرية والتراثية التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد، والعصور الإسلامية وصدر الإسلام، وصولاً إلى العصر الحديث. وقد أكد المجلس الدولي للمتاحف التابع لليونيسكو (فرع الإمارات)، أن دولة الإمارات من الدول الرائدة في إجمالي عدد المتاحف الوطنية الحكومية والخاصة.

ويحرص السياح في العادة على زيارة المتاحف في البلدان التي يقصدونها، للتعرف إلى تاريخ الدولة وحضارتها، فبإمكاننا القول إن المتاحف هي المرآة التي تعكس التاريخ والتراث والحضارة والثقافة. ويحرص زوار دولة الإمارات على زيارة المتاحف والمناطق الأثرية المنتشرة فيها، فقد استقطب «متحف دبي» على سبيل المثال، ما يزيد على مليون زائر خلال العام الماضي، بنمو قدره 12% مقارنة بأعداد الزوار المسجلة عام 2012.

لكن هناك حاجة ضرورية اليوم لأن تواكب المتاحف العصر الذي نعيش فيه، وعلى جميع المؤسسات المعنية العمل بجد لإيجاد طرق مبتكرة تشجع الزوّار، خصوصاً مواطني الدولة والمقيمين على أرضها، للاستمتاع بتجربة زيارتها والاستفادة منها، والأهم تعريف الأجيال الجديدة التي تواجه سرعة التغيّر الاجتماعي في مختلف جوانب الحياة، بتراث الآباء والأجداد، وتعزيز الانتماء لهذه الأرض الطيبة.

من المهم أن يعرف أبناؤنا كيف كانت تتم عمليات صيد اللؤلؤ التي عاش عليها آباؤنا وأجدادنا، وكانت أحد أهم مصادر الرزق قبل اكتشاف النفط، والتعرف إلى المفردات المرتبطة بهذه الصناعة، فهل تعرف الأجيال الجديدة، على سبيل المثال، مصطلحات مثل «الشمشول» و«الخبط» و«الديين» وغير ذلك من مفردات وأدوات مرتبطة بصيد اللؤلؤ وغيره من أنشطة تراثية؟

وسيشهد العامان القادمان افتتاح عدد من المتاحف المحلية والعالمية في إمارة أبوظبي، ومنها متحف زايد الوطني الذي يروي تاريخ المنطقة والإمارات، من خلال استعراض سيرة حياة وشخصية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة.

كما أننا على موعد مع افتتاح متحف اللوفر أبوظبي، والذي سيكون أول متحف عالمي في العالم العربي، وسيضم معروضات عمرها آلاف السنين من مجتمعات وثقافات مختلفة حول العالم، تسلّط الضوء على التجارب الإنسانية المشتركة التي مرّت بها الشعوب عبر العصور.

أما متحف «غوغنهايم»، المزمع افتتاحه عام 2017، فسيستضيف مقتنيات من الفنون الحديثة والمعاصرة. وبحسب المؤسسات المتخصصة في الأعمال الفنية والمزادات، مثل «سوثبي» و«كريستي»، فإن سوق الفن يشهد ازدهاراً مستمراً في المنطقة وفي دولة الإمارات تحديداً، حيث تطورت ثقافة اقتناء الأعمال الفنية في الدولة بدرجة كبيرة.

ويرى الشيخ سلطان سعود القاسمي، مؤسّس «بارجيل» للفنون، أن الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي توفّر بيئة متكاملة حاضنة لصناعة الفن، تتواجد فيها كل عناصره من الفنان والمُقتني والمعرض والجمهور المحتضن للفنون بكل أنواعها.

وبالتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للمتاحف 2014، والتي تستمر حتى 18 من يونيو الجاري، تحت شعار «الروابط التي تعززها مقتنيات المتاحف»، تسعى مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون إلى تسليط الضوء هذا العام، بالشراكة مع مؤسسة بارجيل للفنون، على التاريخ الرائع للقرن العشرين كما شاهدته عيون عدد من كبار الفنانين في العالم العربي، وذلك من خلال تنظيم معرض للفنون التشكيلية تحت عنوان «يا سماء الشرق»، يضم مجموعة منتقاة من مقتنيات مؤسسة بارجيل للفنون.

وتهدف المؤسستان من هذا التعاون المشترك إلى خلق بيئة ثقافية تسهم في الارتقاء بوعي المجتمع وتقديره للفنون التشكيلية من جهة، وإلى تعزيز ثقافة فن الاقتناء لدى المجتمع وخاصة الشباب في دولة الإمارات. كما ستصاحب المعرض ورش عمل وندوات حوارية تسهم في خلق منصات إبداعية لجميع فئات المجتمع.

المتاحف توثق ذاكرتنا الجمعية وتحميها، وهي منصات إبداعية تضمن أن تسهم دروس الماضي في بناء مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً، كما تساعدنا على التواصل مع هوياتنا الثقافية الفريدة، بينما نستكشف الروابط الإنسانية التي تصل العالم بعضه ببعض.

لذا، من المهم أن نتكاتف معاً لتشجيع جميع فئات المجتمع على زيارة المتاحف والتعرف على مقتنياتها عن قرب. كما يجب على القائمين على المتاحف والمناطق الأثرية، البحث عن حلول مبتكرة تجعل زيارة المتحف تجربة شيقة تناسب جميع الأعمار والاهتمامات.

Email