الغرب بحاجة لمساعدة روسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتذكر عندما كنت صغيرا وكنت تحزم حقائبك للهروب بسرعة من المنزل، لتدرك فجأة أنك لست على أتم الاستعداد؟ وذلك بعد أن يعطيك والداك وقتا قليلا، لتضع حقيبتك على عجل خلف مقاعدهم في السيارة وتتوجه للمدرسة. أتتذكر هذا الهلع اليومي؟ هذا السيناريو ذاته بتنا نشهده اليوم على مسرح العرض السياسي، بين كل من الغرب وروسيا وأوكرانيا.

أتذكر أيضا كيف كانت الساعات القليلة التي تقضيها مع والديك عندما تعود إلى المنزل؟ ألم تكن غريبة بعض الشيء؟ فقد تكون تشاجرت معهم وأخبرتهم بأنك لست بحاجة لهم، إلا أنك قد تتراجع عن موقفك هذا سائلا والدتك متى سيجهز العشاء؟ وعليه يتوجب على "أطفال" واشنطن وبروكسل التصرف كالبالغين، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع مشاكل متعددة الأطراف مثل "الإرهاب الدولي".

لكننا لم نصل إلى تلك المرحلة بعد، فعلى سبيل المثال، اقترح وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ على روسيا أن تساعد الحكومة غير المنتخبة في كييف، لحمايتها من الانهيار المالي الوشيك. وبعد مضي يومين على ذلك التحذير، حذر وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل روسيا، قائلا إنها يجب أن تبقى خارج الصراع في المسألة الأوكرانية، أي بلغة الأطفال "اعطني نقود لعبة الإكس بوكس، وابقَ خارج غرفتي".

الرئيس الأوكراني المُنتخب ديمقراطيا فيكتور يانوكوفتش، كان يُفضل أن تكون روابط بلاده الاقتصادية والثقافية والجيوسياسية مرتبطة مع روسيا بدلا من أوروبا. ومن المنطقي أن أوروبا لم تكن سعيدة بذلك، ولكن ما علاقة دول مثل الولايات المتحدة وكندا؟ ولماذا تتدخل حتى قبل بدء الانتخابات الديمقراطية لإضفاء الشرعية على الحكومة التي عينت نفسها؟

وبموضوعية، يمكن القول إنه من الصعب أن لا تتعاطف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. ضع نفسك مكانه، لقد أخرج الرئيس الأميركي باراك أوباما للتو من مأزق الصراع في سوريا، وذلك بتحمله مسؤولية الرئيس السوري بشار الأسد ومسؤولية الاضطرابات هناك، مانعا أوباما بالتالي من إيهام الغير بأنه انتصر، ومن تهديده المستمر بتدخل عسكري، وهو الأمر الذي يعارضه الناخبون الأميركيون. وبعد ذلك ركز بوتين على ضمان أن لا يتعرض الرياضيون الأميركيون والقادمون من دول أخرى، لهجوم من قبل المتشددين الذين هددوا أولمبياد "سوتشي". ونجح بوتين في ذلك، رغم كل القلق الذي اعترى المسألة.

إذاً، كيف حظي بوتين بالثناء؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن الغرب يشجع تمردا مناهضا لروسيا داخل دولة مجاورة وحليفة لها اقتصاديا وجيوسياسيا، تتميز جغرافيا بمكان حرج استراتيجيا من حيث أهميتها كمنطقة عبور للغاز الروسي إلى أوروبا، فضلا عن أنها موطن لموانئ روسية حيوية. وبالتالي فهل من الصعب تخيل لماذا قد يكون الرئيس الروسي، الذي تتمثل وظيفته في حماية مصالح بلاده، يائسا لدرجة أن يأمر الجيش الروسي باستعراض عضلاته وبث ذلك على مرأى من العالم، حتى يغلق أوباما فمه؟

ليست لدى أوروبا ولا أميركا نزعة لنشر قوة عسكرية في أوكرانيا على حساب اتفاق محتمل للتجارة مع أوروبا، ولن تؤذي أي دولة روسيا اقتصاديا دون أن تؤذي نفسها. فأوروبا لا تستطيع دعم أوكرانيا اقتصاديا عبر رشوتها، ولا تستطيع التخلي عن ذلك. وعندما تهدأ الأمور، كيف يتوقع أوباما أن تتعاون روسيا بنية صادقة في القضايا الدبلوماسية، التي تستجد مع دول مثل الصين وإيران وسوريا، التي تقع في دائرة النفوذ الروسي؟

وكان رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر قد أفصح عن تقديم دعم مماثل سابق لأوانه، للسلطات الأوكرانية غير المنتخبة، ولكن من الواضح أن كندا فشلت في فهم كيف يمكن أن تتأذى إذا ما حولت أوكرانيا توجهها نحو التكامل الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي. فطاقة كندا النفطية المتمثلة في أنابيب "كيستون" الضخمة، قد تُستخدم في إنتاج وتصدير منتجات نفطية أكبر إلى أوروبا، وخصوصا على ضوء اتفاقية تجارية حرة جديدة بين كندا وأوروبا. وأوضح تقرير صادر حديثا عن لجنة الطاقة الدائمة في مجلس الشيوخ الكندي، أن "كندا تتنافس مع سلطات قضائية أخرى لتأمين الأسواق المتنامية في مختلف الدول، وقد تُهمل إذا لم تجد طريقة لتوسيع وتنويع الأسواق الحالية". ولذلك فعلى كندا عدم تشجيع أوكرانيا على سرقة نصيبها التجاري في أوروبا. والخيار المعقول الوحيد حاليا، هو عدم التصعيد في الفترة التي تسبق الانتخابات الديمقراطية في أوكرانيا، والمزمع عقدها في 25 مايو الحالي. وقد يؤدي مزيد من التمرد إلى تدخل روسيا العسكري تحت بند "مسؤولية الحماية" الخاص بالأمم المتحدة، الذي يبرر التدخل العسكري الأجنبي لحماية المدنيين من صراع داخلي مسلح.

ونأمل أن يهدأ قادة الطرفين في صراع الشرق والغرب هذا، ويبدأوا التفكير في مصالحهم على المدى الطويل، والتي قد تكون متشابهة مع بعضها أكثر مما يعتقدون.

Email