المتقاعدون يستحقون أكثر من اعتذار

ت + ت - الحجم الطبيعي

كأنه لم يكن ينقص المتقاعدين إلا أن تتأخر معاشاتهم عن موعد صرفها هذا الشهر، رغم أنهم آخر من يستلم معاشه من خلق الله، وأول من يصرفه، حيث لا ينزل المعاش في حساب المتقاعد إلا قبل غروب شمس اليوم الأخير من الشهر بساعات قليلة، وبعد الغروب أحياناً، في حين يستلم كل الموظفين رواتبهم قبل نهاية الشهر بأيام، قد تصل إلى الأسبوع، فقد غربت شمس اليوم الأخير من أيام شهر أبريل المنصرم، وثبتت رؤية هلال شهر مايو، وأشرقت شمس اليوم الأول منه، ومعاشات المتقاعدين لم تزل قابعة في حساب الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، قبل أن تتنبه الهيئة إلى ذلك، لتخرج بتصريح تقول فيه، إن خللاً في النظام الإلكتروني أدى إلى تأخير صرف المعاشات، مع الاعتذار للجميع!

والغريب أن يحدث هذا في الأسبوع نفسه، الذي ناقش فيه المجلس الوطني الاتحادي سياسة الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، وطلب الارتقاء بالإجراءات والخدمات المقدمة للمتقاعدين، وربط المعاش التقاعدي بالتضخم، وإعادة النظر في معاشات المتقاعدين القدامى، بمن فيهم العسكريون، وناقش مطالب لا تبدو منطقية فقط، وإنما أساسية، تمثل الحد الأدنى من حقوق المتقاعد، الذي أفنى عمره في خدمة وطنه، وقدم له خلاصة جهده وزهرة شبابه، ليجد نفسه في النهاية منبوذاً، يعامل وكأن دوره في الحياة قد انتهى، ولم يبق عليه سوى انتظار الموت، من دون الالتفات إلى أن الحياة لا تنتهي بالوصول إلى مرحلة التقاعد.

وأن مسؤوليات المتقاعد تستمر بعد التقاعد، ولا تتوقف، بل تزيد لأن أسرته تكبر، ومتطلباتها تتضاعف في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وفي ظل الغلاء الذي يزداد كلما طرأت زيادة على رواتب الموظفين، من دون أن تشمل هذه الزيادة معاشات المتقاعدين التي لا تغادر مكانها، في الوقت الذي تتحرك فيه قاطرة الرواتب، والأسعار من محطة إلى أخرى، مسجلة ارتفاعات لا يستطيع المتقاعد تحملها، ولا توفيق أوضاعه معها.

المتقاعدون في بلادنا صنفان؛ صنف يطبق عليهم القانون الاتحادي رقم «13» لسنة 1974 وتعديلاته، وهم المتقاعدون قبل إنشاء الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية. هؤلاء يتقاضون رواتبهم الأساسية، مضافاً إليها علاوة الأبناء المولودين قبل استحقاق المعاش، وهي العلاوة القديمة، التي مقدارها 300 درهم عن كل مولود.

هؤلاء المتقاعدون هم الأشدّ تعرضاً للظلم، فمن المعروف أن الرواتب الأساسية القديمة كانت متدنية مقارنة بالرواتب الحالية، حيث يصل الراتب الأساسي 8750 درهماً لمن كان يشغل الحلقة الأولى من الدرجة الأولى، حسب النظام القديم، وهي درجة مديري العموم، الذين يتم تعيينهم بمرسوم من رئيس الدولة، إذا أضفنا إليها علاوة 4 أبناء؛ هو متوسط عدد الأبناء في الأسرة الإماراتية، ومجموع هذه العلاوة وفقاً للنظام القديم أيضاً 1200 درهم، يصبح معاش المدير العام المتقاعد 9950 درهماً.

يضاف إليها الحد الأعلى من زيادة الـ70% التي تقررت قبل بضع سنوات، وهو 6000 درهم، ليكون مجموع المعاش 15950 درهماً فقط، من دون أن تضاف إليه علاوة أي أبناء ينجبهم هذا المدير بعد التقاعد، ولا أي علاوات أخرى، فكيف بالله عليكم يستطيع إنسان يعول أسرة، عليه التزامات تكبر يوماً بعد يوم، أن يعيش بهذا المبلغ، في ظل الغلاء، الذي لا سقف له في بلادنا؟!

أما الصنف الثاني فهم المتقاعدون بعد إنشاء الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، ويطبق عليهم القانون رقم «7» لعام 1999 وتعديلاته. هؤلاء أسعد حظاً إلى حد ما من زملائهم المتقاعدين، وفق القانون القديم، لكنها ليست تلك السعادة الدائمة، حيث لا دائم إلا وجهه الكريم، فهم سينضمون بعد حين إلى زملائهم أصحاب الصنف الأول، لأن الغلاء والتضخم في ارتفاع دائم، والمعاشات في جمود مستمر، مهما كان صنفها. من هنا جاءت توصية المجلس الوطني الاتحادي بربط المعاش التقاعدي بالتضخم، وإعادة النظر في معاشات المتقاعدين القدامى.

استمعت يوم الخميس الماضي، في برنامج «البث المباشر» من إذاعة «نور دبي»، إلى أحد المتقاعدين على النظام القديم، يقول، إن معاشه التقاعدي 11 ألف درهم، يقتطع منه البنك 10 آلاف درهم، سداداً لقرض اضطر لأخذه، وهو يعول أسرتين، ولديه أبناء وبنات؛ إحداهن تدرس في كلية الطب، والأخرى في نهاية المرحلة الثانوية، فكيف يمكن له أن يعيش ويوفر لهاتين البنتين فقط مصروفهن اليومي من الدراهم، التي تتبقى له من المعاش؟!

لا شك في أنه وضع مأساوي هذا الذي يعيشه المتقاعدون وفق القانون القديم، خاصة العسكريين منهم، الذين تقاعدوا وهم يحملون رتباً عسكرية كبيرة وقتها، فقد أصبح معاش الواحد منهم اليوم أقل من راتب خريج جديد ملتحق بالسلك العسكري حديثاً!

هنا يجب أن نحيي موقف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من المتقاعدين الذين يوليهم سموه كل الاهتمام، فقد أمر بمعاملتهم معاملة الموظفين الذين ما زالوا على رأس عملهم، وقام بزيادة معاشاتهم بالنسب نفسها، التي تتم بها زيادة رواتب موظفي إمارة الشارقة، ووفر لهم التأمين الصحي، الذي يتمتع به الموظفون، بينما يحرم منه المتقاعدون في الإمارات الأخرى، وهو موقف نبيل يحسب لسموه، ونتمنى أن يشمل جميع المتقاعدين في الدولة.

المتقاعدون يستحقون أكثر من اعتذار، ليس لتأخر معاشاتهم هذا الشهر، وإنما للمعاملة غير المنصفة، التي يتعرضون لها، فقد قدّموا للوطن خدمات جليلة، عندما كانوا على رأس عملهم، ونتمنى أن يكون قد آن الأوان، لإنصافهم، والنظر إليهم على أنهم أحياء يُرزَقون.

Email