أيام أمضيتها في الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد إقالتي من قبل شركة "دو لا رو"، في أعقاب حصولي لهم على عقد لطباعة أوراق نقدية جديدة لبلاد فارس (كما كانت معروفة في تلك الأيام)، عدت لبعض الوقت إلى لندن متسائلاً، أين يمكنني أن أجد شركة بحاجة إلى شخص لديه إلمام باللغة العربية؟

وبدأ تفاؤلي بفرص العمل يتضاءل، عندما اتصل بي أحدهم على الهاتف ليقول لي إن هناك شركة تبحث عن شخص يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وطلب مني الاتصال بفندق "دورشستر" من أجل أخذ موعد لإجراء مقابلة. وهذا ما فعلته، إذ أخذت موعداً لليوم التالي. ومع توجهي إلى الغرفة المحددة، تلقيت التحية عند باب الغرفة من قبل شخص خاطبني باللغة العربية.

وكان طبيعياً أن أجيبه باللغة نفسها، ثم قمت بمحادثة شاب كان من الواضح من لهجته أنه من فلسطين. وبعد ذلك ألقيت علي التحية بحرارة من قبل شخص آخر كان يتحدث بلكنة أميركية، وقيل لي إنه من الواضح أن لدي إلمام ممتاز باللغة العربية، وسألني المسؤول عما إذا كنت أرغب في أن أشغل وظيفة ممثل شركة نفط تعمل في الخليج؟

وكان الحافز الأساسي في الوظيفة، أنه سيجري توفير منزل، وعدد من الخدم، كما سيتم تأمين طعامي كله من قبل المكتب المحلي للشركة، الموجود في جزيرة البحرين المجاورة. ومهمتي الأساسية كانت في إجراء زيارات منتظمة إلى حاكم البلاد، والعمل كمترجم بين ممثل الشركة المقيم في البحرين وحاكم البلاد، عندما يلزم الأمر.

وبدا العرض مثيراً للاهتمام، حيث يسمح لي بتوفير أجري الشهري. وفي المقابلة، سئلت عما إذا كنت متزوجاً، وقيل لي إنه في السنوات الأولى على الأقل، لن يسمح لي باصطحاب زوجتي معي. وهذا الأمر لم يزعجني، حيث إن علاقتي معها لم تكن جيدة، وكانت زوجتي تفضل البقاء في لندن، حيث كانت تعمل في مكتب والدي.

وبما أنه لم يسبق لي أن سمعت ببلاد تدعى قطر، توجهت إلى "الجمعية الجغرافية الملكية" في لندن، التي كان والدي عضواً فيها، واستفسرت عن تلك البلاد، وبعد أخذ ورد، أظهرت الجمعية كتاباً لرحالة طاف الخليج، فيه فقرتان فقط حول تلك البلاد غير المعروفة إلا قليلاً، والتي تدعى قطر. وقد وصفت في ذلك الوقت بأنها بدائية، ولا يوجد فيها أي نوع من الزراعة.

وكان واضحاً أنني مطلوب هناك على وجه السرعة، وقد منحت عشرة أيام فقط لإعداد نفسي للرحلة. أولاً، كان مطلوب مني الذهاب إلى جزيرة البحرين، التي كنت قد زرتها قبل أسابيع على حساب شركة "دو لا رو". وهناك أقمت في منزل عائد لطاقم أحد المراكب، كان يستخدم من قبل الغطاسين الذين يأخذون قياسات قعر البحر في جميع أنحاء المنطقة، وكانت الشركة النفطية قد فازت بامتياز للتنقيب عن حقول النفط في قاع البحر، على طول المساحة الشاسعة الممتدة من قطر إلى الإمارات العربية المتحدة.

وبعد قضاء بضع ليالٍ في البحرين، تم اصطحابي بعد ذلك في إحدى طائرات الشركة، فوق امتداد من المياه يفصل جزيرة البحرين عن شبه الجزيرة الصغيرة التي تشكل قطر، وهبطنا في منطقة صحراوية، وتناولت في تلك الأمسية العشاء في القصر مع الحاكم.

ولم يتكلل العشاء بنجاح باهر، حيث واجهت بعض الصعوبة في فهم الحاكم عندما تحدث إلي بلكنة عربية بدت غريبة علي، وفي مناسبات عدة، كنت أتلقى مساعدة من قبل الفلسطيني الذي قام بمقابلتي في فندق "دورشستر" في لندن..

وقد اكتشفت أن اسمه فكتور هاشم، وأدركت أنه كان صديقاً مقرباً من مديري، وأنه يتعين علي بالتالي بذل قصارى جهدي لإبقاء على علاقتي طيبة معه، واكتشفت لاحقاً أن زوجته كانت تقيم معه في شقة في البحرين، وكانت تعمل في الشركة بوظيفة مشرفة على السكرتارية، حيث كانت تتمتع بالقدرة على قراءة العربية وكتابتها.

وخلال الأيام القليلة التالية لوجودي في قطر، قصدت رؤية الحاكم الذي تمكنت مع الوقت من التعامل معه بنجاح إلى حد ما، وتطور بيننا نوع من الصداقة في نهاية المطاف.

Email