ألمانيا والسياحة الاستشفائية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يطلع على التقارير العلمية التي يصدرها بعض مراكز البحوث المنتشرة هنا وهناك، يصاب بالدهشة من نتائج المعلومات التي تنجم عن حصيلة الدلالات الإحصائية التي تم جمعها. ومع أنني لا أشكك في مصداقية نتائج تلك المسوح، إلا أن بعض علماء الإحصاء التطبيقي يرون أن نتائج الدراسات التي تبنى على هذا النوع من الإحصاءات، ربما تعطي مجرد مؤشرات عامة حول الظاهرة أو المشكلة موضوع الدراسة.

ما دعاني لهذه المقدمة، هو تقرير أشارت نتائجه إلى أن مجتمع الإمارات هو الأعلى بالإصابة بمرض السكر في المنطقة، وقد قرأت نتائج دراسة أجرتها شركة "إبسس"، وهي من الشركات العالمية المتخصصة في إجراء البحوث، توصلت نتائجها إلى أن 40 % من سكان الدولة يعانون من السمنة..

وقد أجرت الشركة هذا الاستطلاع لحساب شركة "ضمان"، بغرض معرفة الاتجاهات العامة للثقافة الغذائية السائدة في المجتمع، وقد تبين أن نسبة لا تتعدى 30 % من المواطنين هي التي تلجأ للأطباء لمتابعة أوضاعهم الصحية، وأن الأغلبية لا تعطي الموضوع أهمية تذكر، وتمارس حياتها وكأن شيئاً لم يكن. وقد بدا لي واضحاً تلازم الإصابة بالسكر ومدى ارتباطها بالسمنة والسمنة المفرطة.

يلاحظ أن الدراسة المشار إليها شملت عينات عشوائية من الذكور والإناث، تتراوح أعمارهم بين 18 و55، وذلك اعتماداً على نتائج إحصاءات عام 2005، علماً بأن العينة شملت نماذج من المواطنين والمقيمين من العرب والآسيويين والأوروبيين. وقد تبين لي وأنا أقرأ هذا التقرير، ضرورة الانتباه للآثار السلبية للتغير الاجتماعي في المجتمع...

وأن الوقت حان للتعرف إلى أوضاعنا الصحية، وما يترافق مع ذلك من أنماط نظامنا الغذائي وأساليب التغذية ومستويات الوعي الصحي بين أفراد المجتمع، فضلاً عن الأداء الجسدي وفرص ممارسة الرياضة والمشي والتنقل.

ولعلي أتفق مع رأي الدكتور «مايكل بيتزر» الرئيس التنفيذي لشركة ضمان، في أن أهمية هذا الاستطلاع في ارتباطه بقضايا الصحة العامة، إذ يضعها تحت دائرة الضوء، فضلاً عن أنها تعرف كلاً من المواطنين وصناع القرار بالحالة الصحية لأفراد المجتمع، لأن استدامة المجتمع رهينة بالحالة الصحية لأفراده، ولأن قوام العملية التنموية هو مواطنون أصحاء وأسوياء.

لا شك أن الحالة الصحية لأفراد أي مجتمع لها علاقة بالظروف الاقتصادية والأحوال الاجتماعية والثقافية والنفسية، وهي منظومة متشابكة ومتداخلة يصعب الفصل بين عناصرها.

وقد قرأت ما يفيد بأن 662 ألف خليجي زاروا ألمانيا خلال الأشهر الماضية، وأن 20 % من جملة هؤلاء إماراتيون، وأن من دواعي سفرهم إلى ألمانيا السياحة والعلاج، أو ما يعرف بالسياحة العلاجية، والمعلومات المتاحة تفيد بأن ألمانيا تستهدف جذب حوالي 2.3 مليون سائح خليجي بحلول عام 2020، مقابل مليون زاروها العام الماضي.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، ستنظم ألمانيا حملات ترويجية واسعة، يشارك فيها المعنيون بالسياحة الاستشفائية، بحضور أطباء متخصصين في أكثر الأمراض انتشاراً في منطقة الخليج، وهى السكري، وأمراض الشرايين والقلب، وضغط الدم. وفى ذلك أبانت «صوفيا كوينت» مديرة العلاقات العامة في سياحة برلين، أن السياح الخليجيين طالبي الاستشفاء في المرافق الصحية...

قضوا أكثر من 25 ألف ليلة فندقية خلال الفترة من يناير إلى يوليو 2013. ويعزى ذلك في نظرها إلى أن لألمانيا سمعة طبية لا تضاهى، بفضل تميز البنية الطبية والتأهيل عالي المستوى للكوادر الطبية، إضافة إلى الطبيعة الخلابة لمدينة برلين.

وبالطبع لا يقتصر الأمر على مدينة برلين، فهنالك أعداد كبيرة تتجه إلى مناطق أخرى في جنوبي ألمانيا، وعلى نحو خاص مدينة «ميونخ»، ومناطق الغابات السوداء، ومدن ألمانية أخرى. وإذا أضفنا لهؤلاء مئات غيرهم يقصدون الهند ودول جنوب شرق آسيا، لتبين لنا أن الظاهرة جديرة بأن نقف عندها.

ويبقى السؤال المطروح، هل أصبح مستعصياً علاج المواطنين داخل الدولة؟ أو بعبارة أخرى، هل فقد المواطن ثقته تماماً في جودة الخدمات الصحية؟ أم أن ظاهرة طلب العلاج في الخارج في كل صغيرة وكبيرة أصبحت حالة مرضية تدخل ضمن بند الوجاهة الاجتماعية؟!

إن أمام أعضاء المجلس الوطني مطالبات عديدة، تحتم عليهم فتح عدة ملفات، كملف الخدمات الاجتماعية عموماً، وملف الخدمات الصحية على نحو خاص، ومن أجل هذا وذاك نقول.. انتبهوا أيها السادة.

Email