العرب وأميركا وسؤال الكراهية

ت + ت - الحجم الطبيعي

طبيعي أن تهتم أميركا بنظرة شعوب العالم إليها. آخر استطلاع رأي تم تركيز الأضواء عليه أجراه مركز "جالوب" الشهير بالمشاركة مع معهد ميرديان الدولي للاستطلاع ومشروع القيادة الأميركية. النتائج التي تم إعلانها تقول إن حوالي نصف شعوب العالم (أو 46 % إن شئت الدقة) لديها نظرة إيجابية تجاه أميركا، بينما ترفض البقية قيادة واشنطن العالم.

التقارير الصحافية تتحدث عن "كراهية" هذه الشعوب لأميركا، والقصة تذكرنا بما وقع بعد أحداث سبتمبر 2001، وكيف تصاعدت الحملة ضد العرب والمسلمين تحت شعار استنكاري هو "لماذا يكرهوننا؟"، يومها كتبت أتساءل: من الذي يملك الحق في أن يوجه هذا السؤال الاستنكاري.

بوش الابن القاتل، أم الشعوب العربية التي قاست من سياسات أميركية لا تقول إلا أن أميركا مستعدة للاعتراف بكل القوميات في شتي أنحاء العالم إلا القومية العربية؟ وأنها مستعدة لعلاقات صداقة لا تستثني أحداً إلا العرب وأنها ترى مصالحها تتطابق مع مصالح إسرائيل، وتتوافق مع كل القوي الإقليمية في المنطقة (من إيران إلى تركيا وفي أثيوبيا وغيرها) لكنها لا يمكن أن تتوافق مع العرب، حتى لو قدموا كل ما يمكن من ضمانات لحسن النية وللحرص على مصالحها.

حين وقعت أحداث سبتمبر كانت أميركا تتحدث عن قرن أميركي جديد تسيطر عليه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكانت أيضاً تتحدث عن ضرورة "اختراع عدو جديد" اقترح البعض أن يكون "الإسلام".

وكنت موقناً أنه "العالم العربي"، وإذا كنت متشككاً في ذلك، فعليك أن تلقي نظرة على الاستطلاع "الأميركي الأخير الذي يقول إن إيران التي ظلت على مدى السنين تصنف أميركا بأنها "الشيطان الأكبر" تقع في الاستطلاع الأخير - في ذيل القائمة، حيث لا يرفض قيادة أميركا للعالم من الإيرانيين إلا 11% فقط، بينما تقع فلسطين في الموقع الأول بنسبة 80%، ولبنان (نصف المسيحي) في المركز الثالث بنسبة 70%.

النقطة الأساسية الأولى في التعليق على هذا الاستطلاع وغيره من الاستطلاعات التي تسير في الطريق نفسه، هي المغالطة الواضحة في الإيماء بأن الشعوب العربية تكن العداء لأميركا. وليس للسياسات الأميركية الخاطئة التي اتبعتها إدارات أميركية انحازت لإسرائيل وناصبت شعوب المنطقة العداء، النقطة الأساسية الثانية هنا هي أنه إذا كان هناك مجال للحديث عن الكراهية.

فإن السؤال ينبغي أن يوجه لمكانه الصحيح، فنسأل الإدارات الأميركية المتعاقبة: لماذا تكرهوننا؟ لماذا تتحدثون عن قيم الحرية والديمقراطية والمساواة في كل مكان في العالم، فإذا جئتم للمنطقة العربية تناسيتم كل ذلك؟ ولماذا أخذتم أبناءنا ليحاربوا معارككم في أفغانستان وغيرها، فإذا انتهيتم منها ومنهم، أطلقتموهم على بلادنا يعيثون فيها فساداً وينشرون فيها العنف والإرهاب والتدمير الذي تعلموه على أيدي أجهزة مخابراتكم؟

السؤال الحقيقي هو: لماذا تكرهون العرب. ولماذا تتآمرون على شعوب لم تلحق بكم أذى، بل مدت على الدوام يد الصداقة، فكان الرد أن تعادوا تطلعاتها للتقدم والوحدة، وان تقولوا علناً إن نشر الفوضى التي تسمونها خلاقة في أراضيها هو هدف رئيسي لسياستكم في المنطقة؟

ولماذا تكذبون على شعوبكم وشعوب العالم لتدمروا دولة بحجم العراق وتقتلوا مئات الآلاف من أبنائه وتحيلون أرضه لمناطق نفوذ تساومون عليها في صراعاتكم؟ ولماذا تتخذون من تنظيم إرهابي مثل "الإخوان" حليفاً تدعمونه ليحكم مصر ويتآمر على الدول العربية.

فإذا أسقط حكمه الفاشي على يد شعب مصر في 30 يونيو، ناصبتهم مصر العداء، ووضعتم إمكانياتكم وراء تنظيم يقول علناً إنه يتحالف مع "القاعدة" وباقي التنظيمات الإرهابية التي تصدعون رؤوس العالم بالحديث عن عدائكم لها وحربكم عليه؟!

القصة باختصار.. إنكم عقب الحرب العالمية الأولى ناصرتم حق كل الشعوب في الحرية والاستقلال ولكن حين اقتربتم من مصر والعرب نسيتم كل "مبادئ ويلسون" وشاركتم في تقسيم الغنيمة العربية على حلفائكم.

وعقب الحرب العالمية الثانية كررتم المأساة ولكن بعزم على وراثة الاستعمار القديم والهيمنة على المنطقة والعالم، وعندما قامت ثورة يوليو في مصر ولاح في الأفق مستقبل عربي واعد أصبح الخلاص من عباد الناصر هدفاً، وأصبح جمع الدول غير العربية في المنطقة مع إسرائيل طريقاً لاستنزاف العرب ومنع تقدمهم. وها هي القصة تتكرر وبصورة أبشع وأنتم تنشرون الفوضى في بلاد العرب.

سؤال الكراهية نحن الأحق بأن نوجهه، وأن ننتظر يوماً يصحو فيه الشعب الأميركي على الحقيقة، ويدرك حجم الخديعة التي قام بها حكامه حين ضحوا بالمصالح الأميركية نفسها وقدموا مصالح إسرائيل عليها، وحين راهنوا على أن تقدم العرب ووحدتهم هو الخطر الذي يجب أن يحاربوه. فكان العداء الذي يحاولون تبريره بأننا نكرههم، مع أن كل الحقائق تصرخ بأن الكراهية هي صناعة أميركية بامتياز.

 

Email