إطلالة على المشهد الرئاسي المصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أيام كان المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري والقائد العام للقوات المسلحة قبل استقالته، الذي يلقبه المصريون حاليا بـ«المواطن المصري الأول»، بعد استقالته استجابة للمطالبات الشعبية له بالترشح، فهو أول المتقدمين رسمياً للجنة القضائية العليا للانتخابات الرئاسية المصرية، بأوراق الترشح ومعها مائتا ألف توكيل شعبي، بما يمثل نحو ثمانية أضعاف العدد المطلوب قانوناً.

ومن بين عشرة أسماء غير معروفة عبرت عن عزمها دخول السباق الرئيس حتى الآن، ولم تجمع الخمسة والعشرين ألف توكيل المطلوبة بعد، لا يبدو أن لأي منهم فرص الحصول على لقب «مرشح رئاسي» في مواجهة المشير السيسي، لافتقارهم للشعبية ولسابق التجربة السياسية القيادية، سوى اسمين أو ثلاثة، ويصبح من حق المرشح السيسي باعتباره المرشح الأول، اختيار رمزه الانتخابي، الذي من المرجح أن تكون «النسر» أو «الأسد».

وبينما غاب المرشحون السابقون، يأتي في مقدمة الأسماء الحالية، البرلماني السابق الصحافي حمدين صباحي رئيس الائتلاف الشعبي، والمستشار والبرلماني السابق المحامي مرتضى منصور رئيس اتحاد الأندية، فقد حصل بعض الأسماء على نسب متفاوتة من التوكيلات الشعبية، حتى مع نفيها العزم على الترشح، في مقدمتها اللواء مراد موافي رئيس المخابرات العامة المصرية الأسبق، وحصل على 16 ألف توكيل!

ومع الشعبية العالية والثقة الكبيرة التي يحظى بها المشير السيسي، بما يرجح فوزه بنسب عالية، فإن التجارب تعلمنا أن نتائج الانتخابات عبر الصندوق غير محسومة ولا مضمونة سلفاً لأحد، في ظل عوامل كثيرة وألاعيب عديدة في المعارك الانتخابية، من بينها المعارك القذرة؛ كالإرهاب والتمويل الخارجي والحروب الدعائية غير الشريفة، والأكاذيب الإعلامية والإشاعات المغرضة، وهو ما يجب أن يحذره الوعي الشعبي وتحاصره ضوابط القانون الانتخابي.

غير أني على ثقة بأن الأغلبية الشعبية تدرك بوعيها الوطني أن مصر الآن تخوض حرباً حقيقية مع أعداء الوطن في الخارج، وأدواتهم الإرهابية من أعداء الشعب والجيش والشرطة في الداخل، بهدف إشاعة الفوضى والاحتراب الأهلي لهدم الدولة، واستباحة الوطن، في ظل حرب دعائية ونفسية سوداء، تستهدف الوقيعة بين مكونات الوطن، وإشاعة اليأس في نفوس جماهير الشعب، وهو ما لا يصلح في مواجهته إلا قائد وطني ومقاتل شجاع.

وهنا نعيد التأكيد على بعض الملاحظات، فلا تخلو الإعادة من الإفادة:

أولاً: أظن أنه بعد استقالة المشير عبد الفتاح السيسي من مناصبه نائباً أول لرئيس الوزراء، ووزير للدفاع، والقائد العام للقوات المسلحة، وتقدمه للترشح كأي مواطن مصري آخر له الحق الدستوري والقانوني في الترشح لمنصب الرئاسة في ظل رئاسة وحكومة مدنية، فلقد سقط نهائياً الزعم الكاذب بانقلاب يحكم أو جيش يتحكم.

ثانياً: أنه في ظل القانون الانتخابي الجديد بطلب الحصول على 25000 توكيل شعبي فقط، بينما عدد الناخبين خمسون مليوناً، ويتضمن تأييد 15 ألف مواطن فقط من 15 محافظة، بما هو أقل من عدد المحافظات المصرية، وبرسوم تأمين قدره 20 ألف جنيه فقط، بينما المسموح بصرفه لكل مرشح على الحملة الدعائية هو عشرون مليون جنيه، فلا حجة لأحد بالزعم بشروط تعجيزية لمن يريد الترشح.

ثالثاً: إن الحملة الشديدة تارة ضد قيادة الجيش، وتارة ضد قيادة الداخلية، وتارة ضد رئاسة الدولة، وأخرى ضد رئاسة الحكومة، بالباطل وبالحق بلا دراية أو مسؤولية، هي حملة تستهدف رؤوس مصر، يؤديها البعض بوعي أو من دون وعي، وبغرض أو بمرض، في الصحف أو على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، بعضهم بإخلاص أحمق، والبعض برغبة في ادعاء الشجاعة بالتطاول، أو لتسجيل المواقف، أو بسبب الجهل بأصول إدارة الحكم وصنع السياسة الخارجية، والبعض بأجر معلوم لا يخفى على الشعب.

رابعاً: إن مسارعة بعض المرشحين المنافسين للسيسي بالشكوى من الإجراءات وبادعاء المظلومية، هو إعلان مسبق بالهزيمة المبكرة، وتسابق القنوات الفضائية على استضافة المرشحين المحتملين، قبل اعتمادهم وقبل فتح باب الدعاية الانتخابية، في ظل التزام حملة السيسي بضوابط ومواقيت العملية الدعائية، مخالفة للحياد الإعلامي.

خامساً: ليس معقولاً تظاهر أنصار كل مرشح ضد ترشح المرشح الآخر، وليس مقبولاً تحويل التنافس الانتخابي إلى معركة شخصية بين المرشحين، يمزق فيها أنصار كل مرشح ثياب المرشح الآخر، باللجوء إلى الوسائل اللاأخلاقية غير المشروعة، وبشراء الأصوات أو ترهيب الناخبين أو المشرفين، بما يفقد الشعب ثقته بالعملية الانتخابية.

سادساً: ليس معقولاً ولا مقبولاً السماح بالتمويل الخارجي المشبوه لأي مرشح رئاسي أو برلماني، ولا السماح بمساندة أجهزة الدولة لمرشح على حساب آخر، ولا غياب الحياد الإعلامي بين المرشحين، سواء في أجهزة الإعلام العامة أو الخاصة، وينبغي تعديل القانون الانتخابي بما يشدد العقوبات على هذه المخالفات، من الغرامة إلى الحبس والغرامة.

سابعاً: إن سلامة العملية الانتخابية هي جوهر سلامة الآلية الديمقراطية، ولذلك يصبح توفير كل ضمانات النزاهة والشفافية والمتابعة، لحرية الترشح والتصويت ولسلامة رصد الأصوات وإعلان النتائج النهائية، هو الأساس الذي يمكن الحوار والاختلاف والاجتهاد حوله، بمعقولية سياسية وبمسؤولية وطنية.

ثامناً: مع وضع كل القوانين المنظمة والقواعد الضامنة لانتخابات سليمة، فلن نتجاهل أن العملية الانتخابية كما يمكن أن تكون حلاً لمشكلة التنافس على السلطة، فإنها مع سلامتها، يمكن بفعل فاعل متآمر على سلامة الوطن، تحويلها إلى مشكلة لإثارة الاضطراب والفوضى.

تاسعاً: رغم توقع كل المحاولات المشبوهة والألاعيب القذرة، كادعاء التزوير تبريراً للفشل أو ادعاء الفوز قبل إعلان النتائج رسمياً، تبقي قوة المشاركة الشعبية في العملية الانتخابية، بحراسة الشرطة والجيش، تجاوزاً للمؤامرات الخارجية بأدواتها الإرهابية وقنواتها الدعائية، هي الضمانة الأكبر للسلامة الوطنية.

إن القاعدة المستقرة في الديمقراطية، هي أن الأغلبية تحكم، والأقلية تعارض في البرلمان، وبكل وسائل المعارضة المشروعة، بسيادة القانون وليس خروجاً عليه، والفارق كبير بين المعارضة السلمية المشروعة، والاعتراض غير السلمي اللامشروع.

وتبقى مشكلات الديمقراطية في النهاية هي الأقل سوءا ًمن نتائج الدكتاتورية.. ولك يا مصر السلامة.

 

Email