حمدان بن محمد يذكّرنا جميعاً: قيمنا الإماراتية الحصن والسياج

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما لو قرأ أي إنسان من خارج الإمارات صحفنا يوم الأربعاء 16 إبريل، لشعر بالاندهاش لما رآه: شيخان في ريعان الشباب والصحة والعافية، يجلسان باختيارهما مع مجموعة من مسؤولي حكومة دبي على كراسي متحركة، لكي يشاركا في مباراة في كرة السلة، لمنتخب الإمارات لذوي الاحتياجات الخاصة (المعاقين جسدياً).

 لكنني متأكد أن لا أحد من أبناء الإمارات شعر بالاندهاش لما رآه، وإنما بالتقدير والاحترام، لسبب بسيط؛ فنحن نعرف شيوخنا ونعرف عوايدهم وطباعهم التي جبلوا عليها بتبر من ذهب الأخلاق وألماس التواضع ولؤلؤ الهمم العالية.

هذا المشهد النبيل الذي اختار سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، ومعه أخوه سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس اللجنة العليا لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في دبي، أن يرسمه عملاً لا قولاً وواقعاً لا حلماً، إنما يُجسّد بأجمل الصور خلاصة أخلاق الإماراتيين وقيمهم النبيلة، هذه القيم التي ترسخت في أبناء هذه الدولة الحبيبة كابراً عن كابر، وجيلاً بعد جيل.

والثابت هو أن شيوخنا بمختلف أجيالهم، حريصون دائماً أن يقدموا لمواطني الدولة القدوة والمثل الصالح، في تحويل قيم المواطَنة الإماراتية إلى أسلوب حياة نعيشه كل يوم في سلوكياتنا وتعاملاتنا، فالقيم في المحصلة هي مؤشرات سلوكية، وليست تفسيرات نظرية لعلاقة الأخلاق بالحياة وصلة الشخصية بالصفات!

لذلك ربما يكون من الملائم هنا أن أقترح على القراء الكرام أن يستفيدوا من مثل هذه المناسبات التي يبرز فيها نبل أخلاق شيوخنا وأصالتهم، وبحيث تتحول هذه المناسبات إلى فرص وطنية تجعلنا نستذكر معاً ماذا يعني أن يكون كل واحد منا مواطناً إماراتياً، على أفضل ما تعنيه فكرة المواطَنة.

أحياناً، وربما لاعتبارات بروتوكولية، ننسى أن الشيوخ هم في الواقع مواطنون، وهم مثلنا أبناء أصلاء لهذه الدولة، ينتمون مثلنا إلى هذا الوطن، وتربوا معنا بين أبناء هذا الشعب. لذلك عندما يقدمون لنا المثال العملي على أخلاقيات وقيم المواطن الإماراتي، فهم بكل ببساطة يدعوننا إلى أن نرتقي بسلوكياتنا اليومية وأخلاقياتنا إلى المستوى الحقيقي لقيم المواطن الإماراتي، وذروة سلوكياته وأخلاقياته الحسنة.

ما فعله سمو الشيخ حمدان وسمو الشيخ منصور بالأمس، هو في الواقع امتداد لنهر دفاق من ممارسات نبيلة نشاهدها يومياً من الشيوخ الكرام، وكلها تدعونا، جميعاً، إلى أن نقتدي بهم، ونعود إلى الأصل في قيمنا ومواطنتنا وعلاقتنا بدولتنا وقيادتنا.

وهذا يستدعي التذكير بأن هذه الممارسات اليومية لا تذهب سدى، بل إنها تتحول إلى لبنات أساسية يبنى بها جدار الوطن المتماسك والثابت والقوي والمتين. فعندما تأتي الإمارات في المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر التماسك الاجتماعي، الصادر أخيراً عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية 2013، على سبيل المثال لا الحصر..

فإن هذا الإنجاز لا يتحقق بقرار تصدره الحكومة، وإنما بعمل وتخطيط وجهد من الحكومة، وتجاوب وتعاون وسلوك يومي من المواطن. كما أن التماسك الاجتماعي من حيث النتيجة ليس ميدالية ترفع في مقر الحكومة، وإنما ميزة وإحساس ومنفعة يشعر بها المواطن في حياته اليومية ومعيشته وتواصله.

هل هناك في الإمارات من يستغرب حضور الشيوخ لمناسبة تخص أحد المواطنين مهما كانت مرتبته؟ لا أعتقد ذلك، والسبب أننا جميعاً ننعم بهذا التماسك الاجتماعي، ونستفيد منه، بدءاً بشيوخنا الكرام، وانتهاء بأي واحد فينا.

وعندما تقول الدولة إنها تسعى لكي تصبح الإمارات أكثر دولة في العالم إحساساً بالأمان، بنسبة «شعور بالأمان» تبلغ 100%، فإن هذا لا يعني أن لدى المسؤولين كبسة زر أو عصا سحرية تجعل الناس يشعرون بالأمان، وإنما هنالك عمل دؤوب وقيم تترسخ وبناء منطقي وتدريجي لهذا الأمان، يقابله تفاعل والتزام وممارسات يقوم بها المواطن والمقيم، تجعل هذا الأمن والأمان حقيقة واقعة بفضل الله ونعمته.

وعندها لا يستغرب أحد أن تكشف نتائج استطلاع القيم المجتمعية للدولة الذي أجرته مؤسسة وطني الإمارات، أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الوحيدة التي أظهرت أن قيمة السلام والأمن والأمان تأتي في مقدمة القيم العشر الأولى التي يتمتع بها المجتمع.

الخلاصة في كل هذا، هي أن الالتزام بالقيم الأخلاقية للمجتمع ليس مجرد حالة مثالية ونموذجية ندعو إليها، وإنما حالة سلوكية تعود بالجدوى والفائدة على الفرد وعلى المجتمع، وتنشر الوئام والسلام والأمان بين أفراده، وتقربهم من بعضهم، وتزيد من تماسك المجتمع بشكل إيجابي، وكل ذلك يعزز الطاقة الإيجابية والبيئة الإنتاجية في المجتمع، ويفيد البلاد والعباد.

ولا أبالغ إذا قلت إن مبادرة سمو ولي عهد دبي وسمو رئيس اللجنة العليا لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في دبي وصحبهم الكرام، مثلما أنها تعبر عن فهم رفيع لأخلاقيات أهل الإمارات وقيمهم النبيلة، فهي أيضاً تمثل تحدياً لكل واحد منا، لكي يتحرك في دواخلنا مؤشر القيم الأخلاقية الإماراتي، ويسعى لكي يحقق لكل واحد منا حلمه الصامت في الوصول إلى الرقم واحد أخلاقياً وقيمياً!

أما سمو الشيخين الكريمين، فلهما الشكر الموصول لما حققته لفتتهما الكريمة من دعوة للتنافس الإيجابي، ليس في نفوس من حضروا المباراة فحسب، بل وفي نفوس كل من تابع المباراة على التلفزيون أو قرأ عنها في الصحف.

ولكن، لماذا نتعجب من هذه المبادرة الإنسانية الرائعة؟ أليس هذان الشبلان من ذاك الأسد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله.

 

Email