دبي واحة السلام العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أحوج العالم للسلام.. ربما أكثر من أي وقت مضى، لأن البشرية تبتعد عن مفهومها الإنساني أكثر فأكثر، وتقترب بجدارة من شريعة الغاب، حيث لا صوت يعلو فوق صوت البندقية والرصاص، ولا فرصة ولا مكان لينصت الناس لحديث العقلاء أو يتألموا لتأوهات المظلومين..

ما أحوجنا جميعاً لأن نصطلح مع الحياة، ونحلم بأن تعرف البشرية عذوبة السلم والأمان والسلام، حيث يمكن أن يمر يوم من دون أن نرى دماء أو أشلاء، ومن دون أن نعد القتلى ونحصيهم حول الأرض، وكأن الدول تتسابق في أعدادهم، حتى تنكرت علينا أرضنا وكأننا من كوكب آخر، لا نعرف تربتنا ولا نألف رائحة هوائنا، لا لشيء إلا من أجل أطماعنا، وكأن الدنيا لا تتسع لنا جميعاً، فلا بد من تصفية بعضنا ليبقى المنتصرون «الخاسرون» وحدهم بلا إخوة وبلا سلام.

غداً تبدأ فعاليات مؤتمر دبي العالمي للسلام في دورته الثالثة، لترفع راية بيضاء جديدة في سماء الإنسانية، وتقول للعالم أجمع إنه لا يزال هناك مكان في القلوب لتحط فيه حمامة السلام، ولا يزال في الأرض متسع لنعيش بسلام، ولا تزال في النفوس حاجة ملحة ليعم السلام الأرض من جديد، فنعرف بعضنا بهويتنا الإنسانية لا بتصنيفاتنا وانتماءاتنا الفئوية وأهوائنا وأطماعنا.. نعرف بعضنا بصبغتنا التي صبغنا الله تعالى عليها؛ شعوباً وقبائل لنتعارف ونتقارب، لا لنتباغض ونتحارب.

ومجيء هذا المؤتمر العالمي في مثل هذه الظروف المؤلمة، يمثل نقطة فاصلة ووقفة عاقلة في اضطراب عالم مجنون، وبحر متلاطم من التجاذبات والصراعات، حيث غبار المصالح وأهواء المكاسب، والباحثون عن لا شيء، مستمرون في الدوران وراء الأوهام.

راية إنسانية بيضاء ترفعها دبي من جديد، لتقول للعالم إن مبادئ السلام لا تزال حية تنبض، ويمكن نشرها في ضوء تعاليم القرآن الكريم وهدي الرسول العربي الإنساني محمد صلى الله عليه وسلم، ونتبنى من هنا، من دبي ريادة إرساء قيم السلام بين الشعوب، والدعوة إليها وتعزيز ثقافة الحوار بين الأديان والثقافات وأهلها، في إطار التأكيد على قيم السلام لدى شعوب الأرض.

دعوة مفتوحة لولوج باب السلام، أمام جميع البشر، بأديانهم ومعتقداتهم وأجناسهم وأعراقهم، بثقافاتهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم، بميولهم ورغباتهم وتصوراتهم للحياة والكون، دعوة هويتها الوحيدة التي تسمح بدخولها، هي الإنسانية.

نستطيع هنا في الإمارات تبني هذا المفهوم والدعوة إليه، لأننا نعيش قيم السلام ونعرف نعيمها، ونتبادل مع جميع الجاليات القاطنة على أرضنا إشاعة هذا المفهوم، وندعو العالم لترجمة هذه التجربة وتعميمها، لأنها الأصلح لعمران الكون على النحو الذي يريده الله تعالى من الإنسان من حيث كونه إنساناً.

لأن هذا الكون لا يمكن تنفس هوائه والأمن فوق أرضه وتحت سمائه، إلا في ظل السلم والسلام، ولن يتحقق ذلك إلا إذا انبرت العقول المتفتحة الكبيرة لتعيد الحياة إلى رشدها، وتنفض عن الرؤوس غبار الجاهلية الأولى، وتنبذ حياة إنسان الكهوف حيث لا أمان ولا اطمئنان.

وتشيع في الحياة من جديد فلسفة التعايش وقبول الآخر، والحوار وتبادل الرأي، والإنصات لحاجات البشرية جمعاء، والتعالي عن دوامات النزاعات، حيث يخسر الجميع ولا يربح أحد، ويشقى الجميع ولا يمكن أن يسعد أحد.

من هنا في دبي؛ واحة الأمن والسلام، نقول للعالم أجمع إنه لا يزال في الوقت متسع، والمنزل وإن بعد فيمكن الاهتداء والعودة إليه، والإنسانية ستنتصر أخيراً فهي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، لأن كلمتها هي السلام.

وندعو العقلاء من جميع الأصقاع ليجلسوا في واحة الهدوء والأمان ليقيلوا الإنسانية من كبوتها، لأننا نؤمن، كما أكد ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن السلام وترسيخ ثقافة التعايش والحوار بين شتى الحضارات والشعوب، هي مبادئ ثابتة ومحورية في سياسة دولة الإمارات الإقليمية والدولية.

ولا بد من تضافر الجهود الدولية كافة من أجل تغليب مفاهيم السلام والعدالة والحرية في العلاقات بين الدول، لأنها الطريق الأقصر لتصل دول العالم كافة إلى الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق الرفاه لشعوب المنطقة والعالم.

 

Email