باكستان الساحة المنسية لإرهاب الجماعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حديثنا في المقالة السابقة عن إرهاب جماعة الإخوان المسلمين في بنغلاديش، له استتباعات مهمة تستحق التبيين، خاصة أن بعضها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنهجية عمل الإخوان وبنيتهم الفكرية والتنظيمية، أكثر مما يرتبط بالحالة البنغلاديشية. فتنظيم الجماعة الإسلامية الذي ارتكب تلك المجازر في بنغلاديش، كان في الواقع عبارة عن امتداد للجماعة الإسلامية في باكستان الشرقية، والجماعة الإسلامية هي التنظيم الإخواني الذي أسسه أبو الأعلى المودودي، وتوجد منه حالياً ثلاثة فروع؛ في باكستان وفي بنغلاديش وفي الهند.

والمودودي اسم معروف يحضر كلما حضر ذكر الإخوان فكرياً وتنظيمياً، لكن الشق الأخطر في فكر المودودي هو أنه يعتبر من ناحية عملية، الأب الروحي لمفكري الإرهاب والعنف في الإخوان، وخاصة المصريين سيد قطب ويوسف القرضاوي. ومن المهم هنا القول إن اللائحة الأصلية للمتهمين في محكمة جرائم الحرب في بنغلاديش، شملت اسم المودودي بسبب قيادته للجماعة الإسلامية آنذاك، كما أن المتهمين الآخرين كانوا يعملون وفقاً لتوجيهاته بحجة منع الانفصال، وقد شطب اسمه من القائمة بعد وفاته عام 1979.

لكن المودودي نفسه كان قد حوكم على جريمة مشابهة عام 1953، بعد أحداث الفتنة المذهبية في لاهور التي راح ضحيتها عشرات الآلاف خلال أقل من أسبوع، واعتبر المودودي المحرض الرئيس وقتها، وحكم عليه بالإعدام، لكن الحكم لم ينفذ، وتم نقضه بعد حصول انقلاب عسكري، وما رافق ذلك من ظروف الحرب مع الهند عام 1955.

وحتى الآن، فإن الكثيرين من المؤرخين الباكستانيين يعتبرون طروحات المودودي وتنظيمه الإخواني، هي الأساس لكل أعمال الفتنة المختلفة في باكستان، وهو أمر متوقع وطبيعي في سلوكيات الإخوان، وقد شاهدناه في العديد من الدول كما نشاهده في باكستان. ولكم أن تتخيلوا ترابط الجرائم التي ارتكبت بتحريض من الجامعة الإسلامية وريثة فكر المودودي، أو بتأثير أفكاره وطروحاته التي لا تقف عند القتل والتفجير، بل تصل إلى حرق الناس أحياء وخطف النساء واغتصابهن، بغض النظر عن الطرف الآخر، مسلماً كان أم غير مسلم. وهي كلها تمثل تكراراً منهجياً للصورة التي رآها العالم في بنغلاديش عام 1971، لكنها تتكرر في باكستان أسبوعياً تقريباً، منذ أوائل الخمسينيات.

وخطورة هذه الطروحات المودودية، أنه مع تقديمها في قالب ديني فقد أصبح الكثير من العوام يعتقدون أنها من صحيح الدين، بينما هي ليست سوى اجتهادات فاسدة وقياس شاذ من أشخاص ليسوا معروفين بأنهم من أهل العلم الشرعي. فالمودودي مثلاً، لم يعرف عنه العلم الشرعي، بل كان صحافياً متحمساً، بالكاد أكمل الثانوية، ولكنه لعب لعبة خطرة، في محاولة تقليد علماء السلف في تأليف كتبه، حتى يعتقد الناس أن من كتبها هو من علماء الشرع الذين لا يشق لهم غبار.

وقد أحصى عدد من طلبة العلم العديد من المواضع في كتبه التي فيها تطاول على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأنبياء الله وصحابة رسوله، وهذه صفة مشتركة بين كتب المودودي وكتب سيد قطب، فليتنبه كل حريص.

اللافت هنا مسألة في غاية الأهمية تكشف تناقضات المودودي نفسه، وتناقضات الإخوان ككل. فالمودودي بعد انفصال باكستان عن الهند، وتأسيسها دولةً للمسلمين الهنود، أصبح يطالب بإقامة نظام سياسي ضمن المفاهيم الإخوانية المعروفة، سواء من حيث الدستور أو شكل الدولة، ووصل إلى حد المطالبة بإعلان الخلافة. لكن التناقض الرئيس تمثل في أنه كان يعطي لنفسه ولتنظيمه صلاحيات هذه الدولة، ودون تفويض من أحد. فالأصل مثلاً أن الدولة حين تعطي الأمان لغير المسلم، فإن هذا يصبح ملزماً للكافة، إذاً كيف نفسر الخروج على أمر الدولة وقتل غير المسلم دون ذنب، إلا إذا كان الهدف هو إثارة الفتنة وتأجيج الحروب وإضعاف الدولة المسلمة!

هذه اللعبة الخبيثة هي واحدة من أهم النقاط الفكرية التي التقطها أمثال سيد قطب ويوسف القرضاوي، ونقلوها إلى العربية، وقاموا بترويجها كأفكار إخوانية سرطانية خبيئة، مترافقة مع بعض المفاهيم التي اخترعها المودودي في مجتمعه، كالجاهلية (أي وصف مجتمع مسلم بالجاهلية)، والحاكمية وغير ذلك. المشكلة الأساسية في فكر المودودي هنا، أنه نقل ذلك الصراع مع الاحتلال البريطاني والأكثرية الهندوسية (الذي كان مبرراً في أذهان الناس)، إلى صراع مع الدولة الباكستانية المسلمة، (محاولاً تبريره باختراع فكرة المجتمع الجاهلي الذي تنطبق عليه أوصاف الاحتلال البريطاني والأكثرية الهندوسية، وهو ما يعادل التكفير من ناحية عملية).

وقد التقط سيد قطب بطبيعته التي أشرنا إليها في مقالة سابقة، أفكار المودودي، وحوّلها إلى نسخة مصرية (أصبحت عربية في ما بعد)، بهدف الاستفادة منها في نشر وتبرير أفكار التطرف والقتل والتخريب التي أسكرتهم، فغيبت عنهم حقيقة الدين الحنيف، وجعلتهم يخترعون عقيدة جديدة، ما أنزل الله بها من سلطان، تقوم على الإجرام والإرهاب والتقتيل.

ولكن لماذا لجأ الإخوان إلى المودودي وقاموا بتمصير وتعريب أفكاره؟ الواقع أنه في فترة نشوء الإخوان، وخصوصاً في الأربعينيات وحتى الستينيات، لم يكن هنالك فكر متطرف أو تسويغات فقهية له في مصر، وكان الأزهر يقف سداً منيعاً كعادته في وجه أي طروحات متطرفة، ولذلك بقي خطاب الإخوان المتطرف خطاباً سياسياً لا تبرير له دينياً.

من هنا اعتبروا طروحات المودودي بمنزلة الصيد الثمين، ولم يكن من السهل تقديمها باسمه، فتم تقديم نسخة مصرية منها على شكل مؤلفات سيد قطب وبعض المستجدين وقتها أمثال القرضاوي، بهدف تكوين مرجعية دينية تخدم أهدافهم.

ولاستكمال اللعبة، اخترع الإخوان الصورة التي تعرفون من مهاجمة الأزهر والتحذير من المؤسسات الدينية التي ترفض أباطيلهم، مرة بحجة علماء السلطان، ومرة بحجة الاختلاف، كما في محاربتهم للسلفية العلمية وغير ذلك.

والسر في هذا كله أنهم يريدون تحييد أي مرجعية علمية شرعية ترد على أباطيلهم وأكاذيبهم بالدليل الشرعي الراجح، فالمطلوب ألا يسمع الناس إلا رأياً واحداً أصم أبكم أعمى! وللدلالة على هذا، أود أن استشهد بفتوى شاذة وغريبة أصدرها شخص من تلاميذ سيد قطب والمودودي، ألا وهو الإخواني الأردني المتطرف محمد أبو فارس، إذ أفتى في شهر يوليو 2011 بأن كل من يسقط في الصدامات مع الشرطة الأردنية من متظاهري الإخوان فهو شهيد!

وفعلاً في اليوم التالي، قام شبان الإخوان بمهاجمة الشرطة الأردنية بالعصي والسكاكين، لكن هل تعرفون ماذا كانت تفعل الشرطة الأردنية في وقت تلك الفتوى الشاذة؟ لقد شاهدتموهم على التلفزيون، كانوا يوزعون الورود والعصائر على المتظاهرين! ومع ذلك انظروا مدى همجية وإجرام الإخوان في هذه الفتوى الشاذة، والغريب أنه خلال أقل من 24 ساعة نشر الإخوان أكثر من عشرين مقالة تؤيد الفتوى وتبشر بها وتؤكدها!

ويستحق الإشارة هنا، أن الإخوان لجأوا أيضاً إلى مفكر وفقيه آخر، لتقديم غطاء فقهي زائف يستخدمونه في خداع الناس وتقديم غطاء ديني لإرهابهم وأهدافهم السياسية، وهذا الشخص هو محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة الطائفي المعروف، إذ تعتبر كتب المذكور جزءاً لا يتجزأ من المنهاج التربوي والفكري للإخوان.

ولم يغير من الحال شيئاً ما فعله هذا التنظيم في العراق منذ وصوله إلى سدة الحكم بعد سقوط صدام. ويكفي للتذكير أن هذا الحزب هو المسؤول عن محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، واختطاف طائرة الجابرية عام 1986، وتفجيرات الكويت قبلها بسنة، فهل يعقل بعد ذلك أن يعتمد فكر مؤسس حزب كهذا إلا من يشاركه أفكاره الإجرامية!

وحتى تبقى الخيوط متصلة، لا بد من التذكير بأن أحد أبرز من تأثروا بأفكار المودودي كان الخميني، وخاصة كتابه «حقيقة الجهاد» الذي قدم فيه تعريفاً للجهاد، يتناقض مع ما هو مستقر في الشريعة السمحة، ونشير إلى أنه في هذا الكتاب وصف جماعته (الصغرى الجماعة الإسلامية والكبرى الإخوان) بأنهم ليسوا دعاة، وإنما مقاتلون، فتأمل!

خلاصة القول، كما قلنا سابقاً نكرر القول: هؤلاء هم الإخوان، وهذا إجرامهم وتعطشهم للدماء، فاتعظوا يا بني قومي!

Email