ويبقى السؤال.. من قتل كينيدي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في استطلاع للرأي العام أجري عشية مرور خمسين عاما على اغتيال كينيدى، تبين أن 61% من الأميركيين لا يزالون يرفضون الرواية الرسمية لاغتيال الرئيس الشاب، ويؤمنون بأن وراء اغتياله مؤامرة لم تُكتشف بعد، إلا أن اللافت للانتباه أن المشككين في الرواية الرسمية لم يتفقوا أبدا على هوية الجناة. فهناك من يرى أن الجاني هو الاتحاد السوفييتي أو كوبا أو المافيا، بينما يرى آخرون أن الجاني هو المخابرات الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي والمؤسسة العسكرية، أو عناصر منها مجتمعة. وهناك من يعتبر أن الرئيس جونسون الذي كان نائبا لكينيدي، ضالع في المؤامرة.

فالرواية الرسمية منذ واقعة الاغتيال في 22 نوفمبر 1963، تقول إن لي هارفي أوزوالد الذي تم القبض عليه بعد ساعتين من الواقعة، ارتكب الجريمة وحده. ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن، لم يصدق أغلب الأميركيين تلك الرواية، رغم الإلحاح الرسمي والإعلامي المكثف عليها.

فبعد اغتيال كينيدي في مدينة دالاس بولاية تكساس، ألقي القبض على لي هارفي أوزوالد، واتهم باغتيال الرئيس من شرفة مبنى كان يعمل فيه ويطل على موكب الرئيس، الذي كان خط سيره معلنا سلفا، وقيل وقتها إن أوزوالد أخفى السلاح واختبأ في دار للسينما حتى القبض عليه.

ولم يمر على اتهام أوزوالد سوى يومين حتى قتل هو نفسه، أثناء نقله من سجن المدينة إلى سجن المقاطعة.

وقيل وقتها إن القاتل، جاك روبي، مختل عقليا. لكن المحكمة رفضت هذا الدفع وقضت بسجنه، ومات بعد عام واحد في محبسه.

وفور مقتل كينيدي، تولى ليندون جونسون الرئاسة، وشكل فورا لجنة حكومية برئاسة رئيس المحكمة العليا وقتها، إيرل وارن، للتحقيق في ملابسات اغتيال الرئيس. وقد انتهت اللجنة إلى تقرير أعاد إنتاج الرواية الرسمية نفسها، أي أن القاتل هو لي هارفي أوزوالد وحده. وهي النتيجة التي شككت فيها رموز سياسية وقتها، على رأسهم روبرت كينيدي، شقيق الرئيس ووزيره للعدل، ومنهم أعضاء في لجنة وارن نفسها.

والحقيقة أن الأميركيين الذين لم يصدقوا الرواية الرسمية، كانت لديهم شكوك متعددة بشأن وقائع لم يتم تفسيرها، أو أسئلة بعينها لم تتم الإجابة عنها. ومن أهم تلك الوقائع التي ظلت محور جدل صاخب، هي القصة التي صارت تعرف بنظرية "الرصاصة السحرية".

فالتقارير الرسمية للتأكيد على فكرة القاتل الفرد، ذكرت أن رصاصة واحدة اخترقت رأس كينيدي، ثم خرجت من رقبته لتصيب جون كوناللي حاكم ولاية تكساس، الذي كان يجلس في المقعد الأمامي للسيارة.

وقد قتل ذلك الموضوع بحثا بين المؤيدين لنظرية تلك الرصاصة الواحدة، والمعارضين. فالمؤيدون اعتبروا أن تلك النظرية ممكنة تقنيا، بينما سخر الرافضون من الفكرة وقالوا إن تلك رصاصة "سحرية" حتى تخرج من جسد كينيدي ثم تغير مسارها في الهواء، قبل أن تحدث الجروح التي أصيب بها حاكم الولاية.

ومن بين الأسئلة التي لم يقدم لها أحد حتى اليوم إجابة مقنعة، هو الدافع الذي جعل أوزوالد يغتال كينيدي. فالرواية الرسمية قالت أحيانا إنه كان شيوعيا، دون أن تصل أبدا لتتهمه بالاغتيال بتكليف سوفييتي، وقالت في أحيان أخرى إن أوزوالد يعاني من أزمات نفسية.

لكن اتضح لاحقا أن أوزوالد كان تحت مراقبة مكثفة من جانب المخابرات، قبل الواقعة بسنوات. والسؤال الذي لا يقل أهمية، هو الدافع لقتل أوزوالد نفسه ومن وراء قاتله؟ ومما أثار الشكوك أيضا، أن أجهزة الأمن والمخابرات الأميركية التي روجت لرواية أوزوالد القاتل الوحيد، كانت تقوم في الفترة نفسها بعمليات اغتيال خارج أميركا لزعماء ورؤساء دول.

وقد اتضح لاحقا أن بعض أعضاء لجنة وارن قالوا سرا إنهم يرفضون ما جاء في التقرير، بل قال أحدهم للنيويورك تايمز في 1975 إن المخابرات الأميركية أخفت عن لجنة وارن معلومات حاسمة، وطالب بإعادة فتح التحقيق في اغتيال كينيدي.

وقد تلقى الرجل بعدها تهديدات من المخابرات، لكن مجلس النواب أعاد فتح التحقيق فعلا، وانتهى لتقرير عام 1979 يشير إلى "وجود احتمال لتعرض كينيدي لمؤامرة".

ورغم أن اللجنة لم تتهم المخابرات المركزية ولا مكتب التحقيقات الفيدرالي مباشرة، إلا أنها أشارت لإمكانية أن تكون عناصر منهما تآمرت على كينيدي.

وكان من أهم الذين شككوا في الرواية الرسمية السيناتور ومرشح الرئاسة الأسبق غاري هارت، الذي كان عضوا في لجنة تشيرش التي تشكلت في 1975، وحملت اسم رئيسها السيناتور فرانك تشيرش، لتبحث في تجاوزات المخابرات المركزية وهيئة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي التي كشفتها فضيحة ووترغيت.

وقال هارت إن معلومات كثيرة تكشفت لديه حول علاقة المخابرات المركزية بالمافيا في عملياتها لاغتيال كاسترو، واتهم الإعلام بتجاهلها. وقال إنه ظل يتتبع ما توصل له حتى نضبت موارده، واعترف الرجل بأنه ارتكب خطأ فادحا حين قال علنا أثناء ترشحه للرئاسة، إنه سيعيد فتح التحقيق في اغتيال كينيدي إذا فاز بالرئاسة. وكان آخر الذين أعلنوا رسميا عن تشككهم في الرواية الرسمية، هو وزير الخارجية الأميركي الحالي جون كيري، الذي قال إنه لا يؤمن بأن أوزوالد قتل كينيدي بمفرده.

ولا تزال هناك أكثر من ألف وثيقة من وثائق المخابرات الأميركية المتعلقة باغتيال كينيدى لم تعلن بعد، وإن تحدد موعد إعلانها في 2017، بشرط أن يشهد الرئيس عندئذ أنها لن تضر الأمن القومي. معنى ذلك أن الرئيس القادم لأميركا بإمكانه أن يكشف للمرة الأولى أبعاد عملية اغتيال كينيدي، لكن يبقى السؤال؛ هل ستجيب تلك الوثائق فعلا عن لغز اغتيال كينيدي الذي شغل العالم لمدة خمسين عاما؟

Email