الاستراتيجية الروسية في سوريا انتصار مزدوج

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يتساءل المرء هل كان من الصعب مشاهدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يحاول إقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما برفع يده عن الزناد وعدم إطلاقه صواريخ التوماهوك نحو سوريا في الهجوم الذي كان من المحتمل أنه لم يرغب في شنه في المقام الأول.

وعلى الرغم من غرابة القول بأن روسيا وأميركا كلتيهما فائزتان في حال عدم شن حرب على سوريا، إلا أنه قول يكثر الخوض فيه هذه الأيام. فالوضع في سوريا ليس لعبة كرة قدم فيها رابح وخاسر. والأمر ليس كما لو أن أوباما عليه أن يعطي جائزة نوبل للسلام إلى بوتين كما لو كانت جائزة لومباردي التي يمكن لفريق واحد الاحتفاظ بها.

وفي هذا السياق يعتقد الكثير من الناس أن قرار الأمم المتحدة الخاص بإخضاع الأسلحة الكيماوية السورية للرقابة الدولية، وشن هجوم في حال عدم التزام سوريا بتنفيذ القرار، ما هو إلا نصر دبلوماسي كبير حققته روسيا. وبحسب أحد العاملين في وكالة الاستخبارات الأميركية فإن الاعتقاد السائد هو أن بوتين استطاع بذكائه الفائق وخبرته في الجاسوسية إقناع أوباما بما تريده روسيا تماماً في سوريا.

بوتين الحائز على الحزام الأسود في لعبة الجودو يبدو كأنه يستخدم مهارات تلك اللعبة في استغلال لكمات خصمه لطرحه أرضاً محققاً الفوز. ولكن الحال على ما يبدو يتمثل في أن الرئيس الأميركي باراك اوباما هو من يوجه اللكمة القاضية إلى بلاده، واضعاً إياها على أبواب الحرب في حال تحركه نحو شن هجوم على سوريا بمعزل عن دعم شعبي لهذا القرار.

ومع كل ذلك فإنه من الخطأ النظر الى هذا باعتباره لعبة حضرية. فما الذي تخسره أميركا على سبيل المثال هنا؟ وعليه ففي حال تدفق المتشددين الى سوريا وذلك بحسب ما حملته تقارير المراقبين هناك، فإن مسؤولية مواجهتهم تقع على عاتق روسيا.

واذا ما استطاعت أميركا مراقبة روسيا وهي تتخلص من هؤلاء المتطرفين دون الحاجة الى التدخل للتأكد من التزام روسيا تطبيقها مبدأ حقوق الإنسان مع خصومها، فإن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا تعتبران رابحتين.

وتجدر الإشارة هنا إلى ضآلة احتمال تدخل روسيا للقضاء على المتشددين بنفسها فضلاً عن منحها الرئيس السوري بشار الأسد فرصة التصرف بلا عقلانية فيما يخص قرار مجلس الأمن الدولي. ففي الإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد رئيساً علمانياً للبلاد في وجه الصعود المحتمل للقوى الإسلامية، يعد أهم بالنسبة الى روسيا من تجارتها المباشرة عبر الموانئ السورية. فديمومة الأسد تعني أن خطوط نقل الطاقة إلى أوروبا لن تواجه أية عرقلة محتملة.

وفي سياق المؤامرة المحتملة هذه على خطوط الطاقة الروسية، يُطرح تساؤل حول مدى الضرر الذي سيلحق بأسواق الطاقة الأوروبية في حال انضمت كل من السعودية وقطر إلى خطوط التزويد، الجواب هو على الأغلب لا ضرر، وذلك لأن روسيا تعتبر خط الإمداد الرئيس للغاز والنفط بالنسبة للقارة الأوروبية منذ زمن بعيد.

هذا ويشار إلى أن صادرات الغاز القطرية الى أوروبا خلال العامين 2009/2010 قد وصلت الى الضعف تقريباً. كما تعتبر السعودية وإيران على التوالي اكبر رابع وخامس مصدر للنفط الخام الى أوروبا. وبحسب الأمم المتحدة، فإن أوروبا تفضل فرض بعض القيود على هذه الحكومات عبر التجارة، في استراتيجية سبق وأن طبقتها روسيا بنجاح على دول الاتحاد السوفييتي السابقة. تماماً كما تفعل الصين في القارة الإفريقية وأميركا الجنوبية.

وعلى الجانب الآخر، يشكلُ استقرارُ سوريا حماية لخطوط الإمداد الممتدة من إيران والعراق والواصلة إليها. فإيران، حليف روسيا، تُصدر نفطها إلى سوريا عبر العراق. وفي هذا السياق فإن الولايات المتحدة لا ترغب بأن يكون العراق طرفاً يساند سوريا أو إيران أو أي دولة أخرى في المنطقة قد تشكل تهديداً أمنياً لها.

ومع الأخذ بعين الاعتبار إصرار أميركا الشمالية على تحقيق استقلال تام في الطاقة خلال العقد الحالي، فإن العائد من غزو الدول النفطية كما حدث في العراق لتأمين مخزونها من الطاقة عقوداً قادمة، لا يبدو أمراً ذا جدوى، تماماً كما هي الحال لدى محاولة واشنطن قطع خطوط التجارة بين الأطراف المعنية على الجانب الآخر من العالم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما حققه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من انتصار حتى الآن في الشأن السوري يعد بمثابة سحب البساط من تحت أرجل الأميركيين.

Email