الإرهاب باسم الدين

ت + ت - الحجم الطبيعي

انفجار ضخم يهز مدينة بيشاور الباكستانية، فيزهق العشرات من الأنفس البريئة، ربما يكونون كلهم من المسلمين، هذا ما عدا الأضرار المادية التي لحقت بممتلكات السكان الآمنين. وقبله بأسبوع، ضرب انفجار ضخم كنيسة للمسيحيين في ذات المدينة، ليقتل ثمانون شخصاً لا ذنب لهم ولا جريرة، سوى أنهم كانوا يمارسون شعائر دينهم، دون أن يتدخلوا في شؤون الغير. إذن، المسلمون والمسيحيون هم ضحايا هذا الإرهاب، الذي تمارسه طالبان باكستان باسم الدين.

في نفس اليوم، وهو الأحد 29 سبتمبر المنصرم، جرت عملية انتحارية في مدينة أربيل أمام مقرات حكومية، وآخر في البصرة استهدف مسجداً، وجرى ذلك كله باسم الدين وباسم الإسلام، وتحت عنوان الجهاد في سبيل الله، وبالطبع الإسلام براء من مثل هذه الأعمال.

وفي نفس اليوم أيضاً، ولكن في قارة أخرى هي إفريقيا، هاجم مسلحو جماعة "بوكو حرام" سكناً طلابياً لكلية زراعة في شمال شرق نيجيريا، وأعملوا قتلاً فيهم وهم نيام! يا لها من جريمة بشعة يندى لها جبين كل إنسان حر، فكيف بمن يدعي أنه ينتمي إلى هذا الدين الحنيف!

وبالمناسبة فبوكو حرام، وهو اسم الجماعة الإرهابية، يعني "التعليم الغربي محرم"! ولا ندري، إن كان هناك علم للزراعة ينتمي إلى هذا الدين أو ذاك، أو هذه القومية أو تلك، أو أنه يمكن "تسييسه" ليكون ذلك مبرراً لهذه الجماعة التي تدعي أنها تحارب الغرب، لكي يكون الطلبة المساكين هدفاً شرعياً لها؟! ماذا يريد هؤلاء الإرهابيون؟ وأي نظام سياسي يريدون أن يبنوا؟ وما هو شكل المجتمع الذي يتصورونه لدول ومجتمعات عريقة لها تراث علمي وحضاري غارق في القدم؟

لعل نموذج حكم طالبان هو ما يدور في أذهان هؤلاء، الذين ما إن استلموا الحكم في أفغانستان المنكوبة حتى تبين مدى تخلفهم عن العصر الحديث، وأعطوا صورة مشوهة للإسلام، فكان ضحاياهم كثر وأولهم المرأة الأفغانية التي حرموها من التعليم، وكأنهم أرادوا نشر الجهل في نصف المجتمع.

خطورة الإرهاب الديني تفوق أي نوع آخر من العمل الإرهابي، فالإرهاب تحت شعارات تقدمية أو وطنية أو قومية، ربما كان له تأثير في قطاع معين، بالذات في فترات الاستعمار والاحتلال، أو ربما في أوضاع معينة، حيث تسود الفوارق الطبقية بشكل صارخ. وهذا النوع من الإرهاب لا يغري باتباعه إلا أبناء الطبقة الوسطى المتعلمة، وربما بعض أبناء الطبقة العليا، الذين يتخذون الفكر المتطرف كترف وكوسيلة للظهور والبروز والتألق.

أما التطرف الديني فإن قاعدته الاجتماعية أوسع ودعوته أقرب إلى الفهم الشعبي، وذلك بفضل خطابه والمشتركات القائمة بينه وبين الثقافة السائدة التي هي بمجملها مليئة بالمضامين والرموز الدينية. وبالتالي، فمن السهل استغلال ذلك الخطاب الديني المفهوم على مستوى العامة، وحرفه عن أصوله وخداع العامة به، وخاصة الشباب المتحمس الغض، الذي لا يستطيع التمييز بين الرأي الشرعي السليم، وذلك الرأي المنحرف الذي يقدم من الجماعات المتطرفة تحت شعارات دينية براقة.

ويجد هؤلاء المتطرفون الدينيون مجالاً واسعاً للعمل في المساجد، التي حولوا الكثير منها إلى مقرات، وفي اللجان الخيرية المنتشرة في كل مكان، والتي تستغل حب الجماهير لعمل الخير بدفع الزكوات والصدقات وغيرها. ويجد هؤلاء أرضاً خصبة في كثير من الجمعيات الدينية، التي اتسمت بالإصلاح، وهي في حقيقة الأمر موئل للتطرف ومنبع له. ووجدت الوسائل الحديثة طريقاً يستخدمه هؤلاء، من قبيل شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والمحطات الفضائية التي تبث السموم على قطاع واسع من مشاهديها.

لن نستطيع التخلص من الإرهاب إلا بتضافر الجهود، فالاقتصار على الحلول الأمنية، كما شاهدناه خلال الفترة المنصرمة، ليس وحده كافياً، فها هي "القاعدة" تنهض من جديد بعد مقتل قائدها أسامة بن لادن، كما قالت "الإيكونوميست" البريطانية، والتي بينت أن السبب يكمن في أن الغرب لم يشن حرباً فكرية ضدها وضد التوجهات المتطرفة.

وعليه، فهزيمة التطرف الذي يتخذ من الإسلام ستاراً، لا تكون إلا بهزيمة فكر هؤلاء المنحرف والضال عن التعاليم السمحاء للدين الإسلامي.

 

Email