دعوة هتلر وموسوليني إلى الإسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما انضم د. عبدالرحمن بدوي إلى حزب "مصر الفتاة" ذي النزعة الفاشية في العام 1938، مبتدئاً نشاطه بكتابة مجموعة من المقالات للتعريف بالفكر النازي والفاشي وبرجالاته كما ذكرنا في المقالة السابقة فوجئ بتغير في توجهات زعيمه أحمد حسين.

فقد بدأ يوغل في الاتجاه إلى الدين، مطلقاً لحيته، حاثاً أنصاره على تغيير المنكر، ليس بالوعظ بل بـ"اليد واللسان"، ثم جاءت العلامة الأكثر وضوحاً على نزعته تلك، بتغيير اسم الحزب من "مصر الفتاة" إلى "الحزب الوطني الإسلامي"! ولم يكترث أحمد حسين بمعارضة المعارضين ومنهم عبدالرحمن بدوي.

ذلك الشاب اللامع الذي انضم للتو لحزبه بعد تخرجه من الجامعة المصرية بامتياز. ومن أطرف ما يرويه بدوي في مذكراته عن نزعة تدين أحمد حسين زعيم "مصر الفتاة" والهداية التي حلت به، أنه كتب رسالتين واحدة لهتلر والأخرى لموسوليني يدعوهما لاعتناق الإسلام، على غرار الرسائل التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كسرى والمقوقس والنجاشي!

وقد أوقعني آنذاك في مأزق حرج - يروي بدوي كاتباً لأنه طلب مني ترجمة الرسالة إلى الألمانية والإيطالية، لترسل مرفقة بالأصل العربي إلى الزعيمين هتلر وموسوليني. وقد حاولت إقناعه بالعدول عن ذلك، والاكتفاء برسالة مفتوحة تنشرها جريدة مصر الفتاة، موجهة إلى هذين القطبين وغيرهما من زعماء المسيحية، لكنه أصر على رأيه. ويضيف بدوي: ومن عجب أنني طاوعته فيما طلب، فترجمت الرسالة إلى الألمانية والإيطالية وسلمتا للسفارتين في القاهرة.

قرر السفير الألماني أن يقف الأمر عند تسلم الرسالة دون إرسالها إلى برلين، كما قرر وقف كل علاقة بين السفارة وبين أحمد حسين. أما السفارة الإيطالية يقول بدوي - فقد تلقت الأمر بالمزاح والسخرية.

وجاء زمبوني رئيس تحرير الصحيفة الإيطالية التي كانت تصدر في القاهرة، وكان كثير التردد على دار مصر الفتاة، وراح يخبرنا وهو بين المزاح والجد، بأن الرسالة ستبلغ إلى "الدوتشي" (وهي شهرة موسوليني) ولِمَ لا، وقد أعلن موسوليني نفسه حامياً للإسلام، وتسلم وهو في ليبيا سيف الإسلام!

ترى، ماذا دعا أحمد حسين إلى تلك الانعطافة الحادة؟ يجيب بدوي قائلاً: "الداعي هو منافسة جماعة الإخوان المسلمين". فهذه الجماعة برزت كحركة سياسية إبان انتخابات مارس سنة 1938، بعد أن كانت قبلئذ تتظاهر بأنها جماعة دعوية. وبدأت في العام الدراسي 38/1939 حركة منافسة في الوسط الطلابي، وتنتشر بالذات بين "طلبة كليتي الهندسة والعلوم، لافتقار طلاب هاتين الكليتين إلى العلوم الإنسانية التي من شأنها وحدها أن تثبت التنوير العقلي في أذهانهم".

وحينما فشل كل أتباع حزب مصر الفتاة في الانتخابات الجامعية في تلك السنة، ما عدا إبراهيم شكري في كلية الزراعة - يروي بدوي "خيل له ضيق تفكيره واندفاعه الانفعالي (يقصد أحمد حسين) أن علاج الأمر يكون بمنافسة الإخوان المسلمين في دعوتهم هم! بل وأن يبالغ لدرجة الطيش والحماقة.

وأن يبزهم ويزيد عليهم بأن يدعو إلى تغيير المنكر باليد وليس باللسان فقط. وظن أنه بهذا سيكسب المزيد من الأنصار، وأنه سيسلب من الطرف الآخر سر انتشاره". وقد جلبت تلك السياسة الدمار والخراب على الحزب، وتخلى عنه حتى أخلص أنصاره العقلاء.

ويتوصل د. بدوي إلى قاعدة مهمة في علم الاجتماع وفرعه المعني بدراسة الحركات الاجتماعية، حيث يقول: "إن كل حركة سياسية تخرج عن مبادئها الأولى ابتغاء كسب أنصار من خصومها، لا بد أن يصيبها الإخفاق والانحلال".

ويتابع: "إن على صاحب الحركة السياسية أن يتابع طريقه قدماً على أساس المبادئ التي قام يدعو إليها، مهما لاقى في سبيل دعوته من عقبات وانتكاسات". ولعل تلك القاعدة الذهبية خير ما يقدمه أستاذنا الفاضل كاستنتاج، لأولئك القائمين حالياً على وضع دستور جديد لمصر.

والذي ربما عبر عنه الببلاوي بصورة غير مقصودة حينما قال: لا نريد لمصر أن تكون دولة دينية ولا دولة عسكرية، بل نريدها دولة مدنية. ويبدو جلياً أن التضحيات الجسام التي قدمها الشعب المصري في ثورتي 25 يناير و30 يونيو والتي يقدمها حالياً، هي للوصول إلى هذا الهدف، وهو مدنية الدولة المصرية مهما كانت العقبات.

 

Email