إصلاح أم ثورة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعالوا بنا نتخيل لو أن حسني مبارك، الرئيس المصري قبل السابق، فكر في إصلاحات حقيقية بمدة معقولة قبل اندلاع ثورة يناير 2011 التي أطاحت بحكمهم، ترى ألم يكن باستطاعته أن يجنب مصر هذا الذي ما فتئت تمر به من مخاضات منذ انتصار ثورتها؟

كان حسني مبارك يمتلك كل المقومات التي تؤهله للقيام بإصلاحات جذرية، اللهم إلا الإرادة والرغبة في التغيير! فنظامه كان مستقراً إلى حد كبير، تؤازره القوى الأمنية والجيش وطبقة منتفعة، لكنها متماسكة نوعاً ما ملتفة حوله، وترى فيه قائدها أو بصورة أدق «ولي نعمتها». وكان هو على رأس هذا النظام، وكان «الكل في الكل» فيه كما يقال فلا أحد ينازعه في قراراته أو يشاركه أوامره حتى من باب المشورة! وفوق هذا وذاك، فهو بقي قابضاً على السلطة مدة كافية، أو بالأحرى أكثر من كافية، لمعرفة مواضع الخراب في نظامه، وبواطن الفساد المستشري بين جنباته، ومن ثم استئصال تلك الأورام بعمليات «جراحية»، تكون أليمة لكنها تعيد العافية إليه وتقيه شر السقوط والاندثار، كما حدث في 25 يناير.. غير أن حسني مبارك كان يفتقد إرادة الإصلاح والتغيير أساساً.

ولو نحينا الفشل الاقتصادي وتفاقم أزماته جانباً، وهي تركة ورثها من سلفه، وورّثها لمن أتى وسيأتي بعده، فإنه ارتكب خطأين أساسيين يندرجان تحت معارضتهما لأسس النظام الجمهوري وشرعيته التي انبثقت من رحم ثورة 23 يوليو 1952، التي نحتفل بذكراها هذه الأيام. فهو بقي في السلطة ثلاثين عاماً، فكأنه ورث تلك السلطة وأصبحت ملكاً شخصياً له.

ولإضفاء صفة الشرعية على بقائه في السلطة أطول مدة أو فلنقل طوال الحياة، وإدراكاً منه لأنه يعارض بذلك شرعية النظام «الجديد»، وبالتالي فقد كان «مضطراً» لإجراء انتخابات رئاسية شكلية من دون منافس بالطبع - كانت نتائجها معروفة سلفاً وهي 99%! وكانت تلك النتائج موضع سخرية وتندر جميع المصريين!

أما الخطأ الثاني فهو سعيه الدؤوب «للتوريث» ونقل السلطة لابنه جمال، شجعه على ذلك الانتقال «السلس» للسلطة من حافظ الأسد لابنه بشار، وانتشار «موضة التوريث» تلك في الأنظمة العربية الجمهورية، والتي وأدتها ثورات الربيع العربي. ومعنى ما كان ينوي حسني مبارك عمله، هو الانقلاب على مبادئ ثورة 23 يوليو ونسف نظامها الجمهوري، وهو النظام الذي كان سبباً في تربعه على السلطة!!

ولو كان ثوار 23 يوليو يقرون مبدأ التوريث لأبقوا الملك فاروق على عرشه، ولما أعلنوها جمهورية، ولارتضوا لمصر أن تتطور بمسار النظم الملكية الدستورية، شأن ما حدث في إنجلترا والسويد وبلجيكا وغيرها، وكان إصرار مبارك على التوريث هدماً لشرعية النظام وإضعافاً له.

وقد أخذنا مصر مثالاً لإمكان درء الثورة وما تحمله من مخاضات عسيرة، لو توفر لنا حاكم لديه الرغبة الحقة في الإصلاح. نقول ذلك ونحن نرى ما يجري في شوارع الربيع العربي، بدءاً من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وربما قبل الربيع العربي مع التغيير الذي حصل في العراق منذ الإطاحة بصدام حسين في 2003.

ولا نقصد بدرء الثورة أننا أمام تطلعات الجماهير نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بل نقول إننا نستطيع الانتقال السلمي للديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية بتضحيات أقل بكثير وبنتائج مضمونة، لو أن عملية الانتقال تلك تمت بصورة متدرجة وبتراكم تطوري وعلى مدى زمني معقول، بحيث يستطيع النظام التكيف مع متطلبات التغيير واستحقاقاته.

ثم إن الثورة كما نشاهدها على شاشات التلفزيون غير مأمونة العواقب، فمن يستطيع القول إن الثورة ستحقق أهدافها ولا تعود ثانية إلى المربع الأول أو نقطة الصفر، أو أن «يسرقها» طرف، أو تخلق الشقاق الديني والمذهبي والطائفي، أو أن تؤدي إلى تقسيم البلاد كما الحاصل في العراق واليمن وليبيا وسوريا؟!

الإصلاح في نظري بناء على المعطيات التاريخية والواقعية التي نشاهدها هذه الأيام - هو السبيل الأمثل إلى التغيير الدائم والراسخ.

Email