عين على مصر وأخرى على الكويت

ت + ت - الحجم الطبيعي

أشهد أن هذه من أصعب الظروف التي أكتب فيها مقالتي الأسبوعية، فليلة البارحة (مساء الأحد 30 يونيو) تسمرت أمام التلفزيون لساعات طويلة، أو بالأحرى منذ عودتي من الجامعة، حيث أقوم بالتدريس في الفصل الصيفي، إلى الساعة الحادية عشرة والربع، حيث بلغ بيّ التعب أيما مبلغ، إذ ذهبت إلى الفراش وأنا بالي مشدود إلى ميدان التحرير وقصر الاتحادية وكل ميادين مصر الأخرى المشتعلة غضباً.

وما جعلني أخلد إلى الراحة هو اضطراري إلى الذهاب للعمل في اليوم التالي (الاثنين)، غير أنني في حقيقة الأمر لم أهنأ بنوم عميق، فما يجري في تلك الساحات طغى على شعوري، بحيث ظللت مدة طويلة في الفراش قبل أن يغمض لي جفن.

وها أنذا أجلس في مكتبي صباح الاثنين وأنا ممزق الفكر والوجدان، بين الكتابة عن مصر وما يجري فيها من أحداث جسام، وبين متابعة الانتخابات الكويتية، التي أصبحت "موضة" في بلدي، بحيث تتكرر كل سنة تقريباً، وربما أقل من سنة كما الانتخابات القادمة! وأغلب الظن أن كل الكتاب والمثقفين العرب يعيشون هذا التمزق الذي أعيشه، بين التركيز على تناول قضايا أقطارهم وبين التعليق على ما يجري في مصر. ولعل هذا الأسبوع وربما الأسابيع القادمة، ستصدق ما أقول.

فأهمية مصر لا تحتاج إلى بيان أو برهان، وما يجري فيها له تداعيات على كل الأقطار العربية، بل وعلى أبعد بكثير من محيطها العربي المجاور. وثورتها السلمية كانت رمزاً للتحرك ضد الظلم والطغيان، وإلهاماً لكل الجماهير الطامحة إلى الديمقراطية مقرونة بالعدالة الاجتماعية.

ولو سارت الأمور كما أرادها ثوارها الأصليون المنتمون إلى القوى التقدمية، والذين ناضل آباؤهم وأجدادهم سنوات طويلة انتظاراً لذاك اليوم، لكانت نموذجاً يحتذى لنظام ديمقراطي يأخذ بيد مصر إلى التقدم والرقي، كما انطلقت في مطالع القرن التاسع عشر والعشرين.

غير أن "سرقة الثورة" تحت دعوى الانتخابات المتسرعة وشرعية الصناديق المزعومة، وما نجم عن تلك العملية من وصول الجماعات الدينية وعلى رأسها حزب الإخوان المسلمين، إلى كراسي الحكم، قد ولدت المرارة في نفوس الثوريين والغصة في حلوقهم.

زاد على ذلك، سياسة "الأخونة" التي اتبعها النظام الحاكم منذ انتخاباته المتوالية: الشعب والشورى والرئاسة، والتي جاءت بالطبع، بعناصره مستفيدة من وجودها التنظيمي وقدراتها المالية (والتي أتى جزء كبير منها من خارج حدود مصر)، ومن تبعثر القوى المدنية التي "أخذت على حين غرة" لسنوات القمع والتهميش الذي مارسه ضدها النظام المخلوع.

لم يثبت الإخوان في سنتهم الأولى في الحكم، أنهم يمثلون تياراً وطنياً جامعاً، بل حاولوا الاستئثار والسيطرة على مفاصل الدولة المصرية: فالدستور أضحى دستورهم، وهم الذين صاغوه على مقاسهم، والنائب العام غيروه وأتوا بشخص مطيع لأوامرهم، وحاربوا القضاة، وهددوا معارضيهم بإحالتهم على التقاعد أو كما يقول المصريون على "المعاش".

وحالوا السيطرة على التلفزيون والإذاعة الرسميتين، وعينوا محافظين موالين لهم، وحاولوا تغيير قيادات الجيش والشرطة.. وهذا غيض من فيض ما عملوه خلال سنة واحدة فقط.

حتى الرمز ـ وهو الرئيس محمد مرسي ـ والذي كان من المفترض فيه أن يكون لسان المصريين جميعاً، كما وعدهم في مثل هذا اليوم قبل سنة، فإنه لم يستطع الخروج من شرنقة الحزبية ومن ردائه الإخواني.

وقد أعطي الفرصة تلو الأخرى ليتقرب إلى جموع الشعب المصري ويتمثل همومهم وآمالهم، غير أن "حزبيته الضيقة" وقفت حائلاً دون ذلك، فهو يصور معارضيه على أنهم من "الفلول" و"أزلام" النظام السابق، ناكراً أنه لولا تضحيات هؤلاء الثوريين الحقيقيين وشجاعتهم، لما وصل هو وأتباعه إلى سدة الحكم.

الأيام القادمة حبلى في مصر، وحشود يوم الثلاثين من يونيو فاقت حشود أيام الثورة على نظام مبارك، وهذه الحشود لن تبرح مكانها إلا محققة لما تصبو إليه، وهو وضع مصر على سكة الديمقراطية الصحيحة كي ينعم المواطن المصري بالحرية وبعيش كريم.

Email