رمضان الكويت بين العبادة والسياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

رمضان هذا العام سيكون له مذاق مختلف في الكويت، فهو سيجمع بين ما اعتاده المسلمون في هذا الشهر الفضيل من صيام وقيام وتعبد، وبين التعاطي في الشأن السياسي، عبر الحملات الانتخابية، وارتياد الخيم وتذوق "غبقاتها" الدسمة.

وسماع أحاديثها الصاخبة، والمشاركة في تجمعاتها الحيوية، ومتابعة مناظرات المرشحين عبر الفضائيات وتحليل المراقبين والمختصين، فضلاً عن قراءة الكم الهائل من مقالات الصحف وإعلاناتها وغير ذلك الكثير. فقد أعلنت الحكومة الخامس والعشرين من شهر يوليو القادم موعداً لإجراء انتخابات مجلس الأمة، بعد شهرين من صدور حكم المحكمة الدستورية القاضي ببطلان الانتخابات السابقة التي جرت في الأول من ديسمبر الماضي 2012.

والتي جرت على نظام الصوت الواحد. وبذا، برّت الحكومة بوعدها بالالتزام الحرفي بما جاء في الدستور، الذي ينص على إجرائها في مدة لا تزيد على الشهرين، وبقانون الانتخابات الذي ينص على أن تفتح صناديق الاقتراع من الساعة الثامنة صباحاً وتغلق أبواب المقار الانتخابية الساعة الثامنة مساءً.. وهذا بيت القصيد!

فانتخابات هذه السنة التي ستجرى في أواسط رمضان (يوم السابع عشر تقريباً)، ستكون في لهيب يوليو الذي لا يحتمله المرء وهو جالس بين جدران بيته الأربعة المكيفة، فكيف سيكون حاله إن خرج يريد الإدلاء بصوته ووقف في الطوابير منتظراً تحت أشعة الشمس الحارقة؟! وما هو حال القضاة ومندوبي المرشحين (المساكين) ورجال الشرطة الذين سيشرفون على التصويت ويراقبونه.

وهم جالسون أو واقفون طوال اثنتي عشرة ساعة وهم صائمون؟! منظر غير مألوف ستشهده الكويت، والذي زاد الطين بلة هو ما أفتى به المشايخ الذين استطلعت آراؤهم جريدة القبس (23/6)، بعدم جواز الإفطار في يوم الانتخاب. وطالب أحدهم (الشيخ ناظم المسباح) "رجال القضاء والوجهاء في البلاد بمناشدة الحكومة لتأخير الانتخابات لما بعد عيد الفطر، وذلك راحة للناخبين فضلاً عن عدم إشغالهم عن التعبد في شهر رمضان"!

غير أن يد الحكومة مغلولة بالستين يوماً التي ينص عليها الدستور، بين انتهاء مدة المجلس أو حله وبين انتخاب مجلس جديد. وتعديل ذلك ـ كما سئل رئيس المجلس المبطل علي الراشد في أحد الدواوين ـ لا بد أن يأتي بقانون، وفي غياب المجلس فلا بد أن يخرج هذا التعديل "بمرسوم ضرورة"! بالطبع، فالمنطق والواقع يقولان:

"الضرورات تبيح المحظورات"، اللهم إلا في الكويت، حيث تلف جوها السياسي غمامة كثيفة من الشك والتصيد القائم منذ فترة بين "المعارضة" و"الحكومة"، إلى الحد الذي أوصلت البلاد إلى حالة الجمود والتقيد بشكليات القانون وليس بروحه!

وربما يعكس ما قاله زعيم المعارضة مسلم البراك عن الموعد، وما رد عليه به نائب المجلس المبطل نبيل الفضل، جو النقاش السائد هذه الأيام، البعيد عن تناول أولويات الكويت التنموية في هذه المرحلة. فالأول ذهب إلى أنه "لا يوجد بلد إسلامي تتم فيه الانتخابات في شهر رمضان"، معللاً ذلك برغبة "متنفذين يريدون أن يتمتعوا بإجازاتهم بعد فترة هذا الشهر الفضيل".

بينما ذكره الثاني بأن البلاد الإسلامية التي يشير إليها البراك، لا توجد فيها معارضة "ما عندها شغل إلا الطعن بالمراسيم والقوانين"؟!

وليس ببعيد أن تشهد الكويت مثل هذا الجدل العقيم في مرحلة سخونة الحملات الانتخابية، بين من لا يزال يدعو إلى المقاطعة (والآن باتوا هم الأقلية)، وبين المشاركين في العملية السياسية الجارية. وفي مثل هذه الأجواء لن يكون الجدل مقتصراً على الموضوعات الداخلية البحتة، بل سيتعداها إلى ما يجري في المحيط العربي، حيث انعكاسات ما يجري في سوريا تلقي بظلالها على توجهات الناخب، وبالتحديد في زيادة التنافس الطائفي!

لا نعلم كم من الـ440 ألفاً الذين يحق لهم الانتخاب، سيذهبون يوم الخامس والعشرين القادم إلى صناديق الاقتراع ليمارسوا حقهم السياسي في اختيار من يمثلهم، غير أن من يذهب في ذلك اليوم القائظ يحدوه أمل بأن يكون المجلس القادم ممثلاً للجميع، بحيث يأخذ بيد الكويت إلى مرحلة الاستقرار السياسي التي هي في أمس الحاجة إليها.

 

Email