الشرق الخامل والغرب المبدع

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس هذا إعجاباً بالغرب لأنه القوي المهيمن، مصداقاً لما لاحظه علامتنا العربي ابن خلدون، وليس هذا موقفاً من سياسات الغرب منذ أيام استعماره لبلادنا وللعالم بقديمه وجديده، بل هو إقرار بالواقع واستنهاض للهمم. فالغرب منذ خمسة قرون، وربما أكثر قليلاً، هو الذي يقود العالم في مجالات العلم بمختلف تخصصاته، ورفاهية الإنسان في عصرنا هذا، إنما مرجعها إلى تلك الاكتشافات والاختراعات التي جاءت بجهود علمائه.

لقد خرج الشرق من مضمار الإبداع والاكتشاف والاختراع من ذلك الزمان، وأصبحت أمم عديدة: العرب والفرس والهنود وأهل الصين وغيرها من أهل الحضارات العريقة، خارج سياق التطور المبدع الخلاق، الذي ما زال الغرب يعيشه منذ خمسة قرون وأكثر. عرفنا النفط منذ آلاف السنين، لكننا لم نستخدمه إلا باستخدامات هامشية، إلى أن أتى المغامرون الغربيون، ومن بعدهم الشركات العملاقة، لتستخرج ذلك النفط من باطن أراضينا، وتحوله إلى طاقة وإلى منتجات صناعية كثيرة لا أول لها ولا آخر. وحينما أصبح "نفط العرب للعرب".

كما صاح عبد الله الطريقي في خمسينيات القرن الماضي من أعماق نجد، لم يتحول هذا النفط عندنا إلى صناعة متكاملة، بمعاهد وكليات وجامعات تعنى بتطوير إنتاجه والاستفادة منه في صناعات جديدة ومركبات مفيدة تسجل بأسماء مخترعينا ومكتشفينا، بل ظللنا في الغالب الأعم نصدره خاماً، ليصبح مردوده متواضعاً قياساً بتصديره كمنتجات مصنعة.

وبلادنا هي بلاد الشمس التي تستطع فيها طوال السنة، إلى درجة أننا نعتبر الجو جميلاً إذا ما تلبدت السماء بالغيوم. وهذا بالطبع عكس ما هو موجود في الثقافة الغربية، حيث السماء الصافية هي الجو المثالي. وهذه الشمس العظيمة لم نفكر في استغلال طاقتها، اللهم إلا في بعض المشاريع التي بدأت في التو.

ومنها محطة "شمس 1" في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة. طاقة المستقبل هذه لا بد أن تكون موضعاً لدراسات مهندسينا والصناعيين عندنا، وربما أيضاً للشباب الذي يجد في نفسه الكفاءة لتطوير هذه الصناعة، من خلال المخترعات الفردية.

تأملوا ما هو حاصل في الغرب بخصوص هذه الطاقة المتجددة، التي باتت موضعاً للبحث والاختراع والاكتشاف، بتمويل حكومي وأهلي. نشرت جريدة دير شبيغل الألمانية على موقعها (24/5/2013) تحت عنوان لافت، وهو:

"ألواح الطاقة الشمسية للطرق بدلاً من الإسفلت"، مقالاً جاء فيه، أن مهندساً كهربائياً أميركياً، واسمه سكوت بروسو، أقنع زوجه التي تعمل معالجة نفسانية، بأن تشاركه في مشروع غريب، وهو استبدال الإسفلت بألواح الطاقة الشمسية في رصف الطرق. مشروع رائد، انقسم أهل بلدته الصغيرة ساندبوينت في ولاية أيداهو حوله بين مصدق ومكذب! رصف الشوارع بألواح للطاقة الشمسية مصنوعة من زجاج قوي، وبمواصفات معينة.

وتتكون من ثلاث طبقات، العلوية تحوي الإنارة (LED) والتسخين، والوسطى تحوي المشغل الذي يشغل الإنارة ويوصل الطاقة بين الألواح، والأخيرة تضبط التيار الكهربائي المتولد من الطبقة العلوية وتبعثها إلى البيوت ومحطات الشحن الكهربائية القائمة على الطريق.. وثمة إمكانية لمد كابلات التلفزيون والهواتف مع هذه الألواح.

المشروع الرائد الذي بدأه بروسو وزوجته عام 2009، والذي حصل بموجبه على دعم حكومي بلغ 750 ألف دولار (لاحظوا قدمت له الحكومة الأميركية الدعم في عز الأزمة المالية التي كانت تجتاح البلاد والعالم)، قد نجح وآتى أُكله، حيث طبقه بروسو على مضمار لحديقة قريبة من منزله. وهذا المشروع سيوفر استخدام النفط، فالسيارات ستشحن بالطاقة الكهربائية المتولدة، والألواح ستحل بدلاً من الإسفلت.

لكن ما يقف حجر عثرة أمام وضع هذا المشروع موضع التنفيذ، هو أن تكلفة رصف الشوارع حالياً بالألواح هي ثلاثة أضعاف رصفها بالإسفلت. وبالطبع، العلم يتقدم إلى الأمام، والتكلفة ستكون مناسبة في المستقبل.

تعلق الجريدة الألمانية قائلة: إن في ألمانيا 230 ألف كليومتر من الطرق، وهي تساوي مساحة 18 ألف كليومتر مربع (مساحة الكويت)، فما عسى مثل هذا الاختراع - لو أصبح اقتصادياً أن يعمل لألمانيا؟

ونحن نقول: ما عسى مثل هذا الاختراع فاعلاً لشوارعنا الممتدة في صحارينا الحارقة، أو في مدننا المكتظة، والتي لا تفارقها أشعة الشمس، لو رصفنا بعضاً منها بتلك الألواح بدلاً من الإسفلت؟!

هكذا يفكر الغرب، فأين نحن منه؟

 

Email