حَسِبَ أنه ينتصر للإسلام!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يترسب غبار حادثة انفجاري ماراثون بوسطن، الذي قام به مسلمان أمريكيان من أصول شيشانية في إبريل الماضي، ولم ينس العالم بعد ما قام به محمد رماح، الجزائري الأصل والفرنسي الجنسية في مدينة تولوز العام الماضي من هجوم على مدرسة أطفال، حتى خرج علينا شخص، على مرأى ومسمع الجميع وأمام شاشات كاميرات الهواتف النقالة.

وفي حي ولتش في لندن، وهو يحمل ساطوراً ملطخاً بالدماء مردداً: "نقسم بالله العظيم أننا لن نتوقف عن محاربتكم، السبب الوحيد الذي دفعنا لفعل هذا هو أن المسلمين يموتون كل يوم. قتل هذا الجندي البريطاني هو من باب العين بالعين والسن بالسن"!

أما ما قام به الشخص المذكور وزميله ظناً منهماً أنهما ينتصران للإسلام والمسلمين، فهو أبعد ما يكون عن هذا الدين الحنيف وعن ممارسة من ينتمون إليه، بل وهذه هي الطامة الكبرى، أن ما قام به الشخصان المذكوران يذكرنا بما فعله المشركون (وليس المسلمين) في "غزوة أحد"، بالتمثيل بجثة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. فالمسلمون في كل تاريخهم وفي جميع فتوحاتهم لم يمثلوا بأعدائهم، إذ هو محرم ومنهي عنه شرعاً.

لكن، أنّى بمن دخل الإسلام حديثاً وهو غض الإيمان أن يعرف سماحة الإسلام، فالمشتبه فيه مايكل أدبو لاجو، وعمره 28 عاما وجذوره من نيجيريا، كان مسيحياً ثم دخل الإسلام قبل بضع سنوات. ويبدو أنه أسلم على أيدي بعض الدعاة المتطرفين الذين ينتشرون في البلاد الغربية، وهؤلاء القلة لا يقدمون الإسلام إلا بشكله المشوه والبعيد عن روح العصر.

ترى، كيف يمكن أن يتعاطف الرأي العالمي في جميع القارات مع قضايا العرب والمسلمين، وأبرزها القضية الفلسطينية، وهم يرون "وحشاً" يدعي الإسلام ويداه ملطختان بالدماء ويحمل ساطوراً يهدد به مجتمعاً آواه ورحب به وأنفق عليه من أموال دافعي ضرائبه، الذين هم في الأغلب الأعم من السكان الأصليين المجتهدين في عملهم؟!

والحق أنه قبل يوم واحد من تلك العملية "الهمجية"، كانت الصحف البريطانية منشغلة بقصة الطفل الفلسطيني جمال الدرة، الذي استشهد بجوار أبيه وهو يحتمي به في قطاع غزة في العام 2000، برصاص الجيش الإسرائيلي، والذي هز استشهاده وهو طفل لم يتجاوز عمره اثني عشر عاماً، ضمير العالم، لما اكتشفوه من بشاعة ذلك الاحتلال ومن ممارسة جيشه اللاإنسانية. وتكتب الإندبندنت (21/5) متعاطفة مع استعداد أبيه تشريح جثمان ابنه لدحض أكاذيب لجنة التحقيق الإسرائيلية، التي قالت إن "المشهد كان مرتباً له مسبقاً".

هذا الجو الإيجابي في الشارع البريطاني انقلب رأسا على عقب بعد يوم واحد، وبعد الهجوم الذي تعرض له الجندي البريطاني لي ريغبي. فعقب ساعات فقط من انتشار الخبر، سجلت العشرات من الهجمات على مساجد المسلمين في بريطانيا، وعلى أشخاص تدل سحنتهم أو ملابسهم على أنهم من المسلمين، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء البريطاني إلى تهدئة النفوس.

ووصف من قاموا بتلك العملية البشعة بأنهم بفعلتهم هذه قد خانوا الإسلام. وتبعه في التنديد بذلك رؤساء الجالية الإسلامية وكبار شخصياتها وعلماء الدين فيها والوعاظ المعتدلون، وغيرهم من أقطاب المجتمع. واعتبروا ما قام به هذان الشخصان، إنما هو جريمة قتل نكراء وفعل إرهابي، لا بد أن يعاقب عليه مرتكبوه بأشد العقوبات.

ومن المعروف أن الجالية الإسلامية في بريطانيا تربو على 2.6 مليون نسمة، ينحدر الجزء الأكثر منها من القارة الهندية، وآخرون ينتمون إلى البلاد العربية، والبعض الآخر من الدول الإفريقية غير العربية. أما تواجد المسلمين في بريطانيا فيعود إلى أوائل القرن الماضي، ويمتلك المسلمون مئات المساجد وآلاف المصليات، ولعل أقدم المساجد ذاك الموجود في ليفربول والذي بني في العام 1889.

إذن، الجالية المسلمة في بريطانيا جالية عريقة وذات وزن اجتماعي وسياسي، وما قام به هذان الشخصان وأمثالهما يمثل تهديداً لمصالح هذه الجالية، وتشويهاً للدين الإسلامي، مما يستدعى تضافر الجهود لمحاربة أمثال هؤلاء وأفكارهم المنحرفة.

 

Email