قراءة في كلمة شيخ الأزهر

ت + ت - الحجم الطبيعي

شارك فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في الافتتاح الرسمي لمنتدى الإعلام العربي في دورته الثانية عشرة، التي نظمها نادي دبي للصحافة تحت رعاية وبحضور صاحب السمو الشيح محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث ألقى فضيلة شيخ الأزهر الكلمة الرئيسية للمنتدى، التي حث من خلالها وسائل الإعلام على ضرورة المحافظة على حرمة لغة الضاد.

وأكد شيخ الأزهر في كلمته أنه "وبعد تفجر الثورة المعرفية والرقمية وثورة الاتصالات، تدخل الكلمة مستوى من الخطر أشد وأعمق في صناعة الأفكار والآراء والرؤى وتوجيه الأفعال وردودها، على مستوى الأفراد والمجتمعات.

وبدا للناس أن بطل الحلبة هو الحرف المكتوب والملفوظ، وأنه يمكن أن يفجّر - في أحدث تجلياته الإلكترونية - ثورة اجتماعية واقتصادية وسياسية، بل إنّ العولمة التي تفرض نفسها على البشرية كلها، ليست حقيقتها إلا مظهرًا أو أثرًا من آثار ثورة المعرفة والاتصال".

وأضاف فضيلته "والآن، تنشغل العقول الكبيرة في العالم بهذه الثقافة الجديدة؛ ثقافةِ الأرقام والحروف والكشف عن أسرارها وتوظيفاتها، لا على النحو القديم الغامض الذي اتخذ من طلاسم وتمائم، ولا على النحو التأمليّ الفلسفي الذي أنطق فيلسوف الإغريق فيثاغورس، ليهتف من أعماقه بأن العالم عدد ونغم.. بل على نحو جديد حوّل حياتنا المعاصرة إلى أرقام جامدة، تبتعد عن دفء الإنسانية وجمالها بقدر ما تقترب من جفاف الرموز وهندسة الأشكال".

وتابع الدكتور الطيب: "ومن جانبي أبادر أيها الأساتذة الأفاضل، بالإقرار بالاعتراف بفضل هذه الثورة الإعلامية، وبصماتها البيضاء على جوانب هامة من حياة الإنسان المعاصر في الشرق والغرب، ولا يتسع الوقت لو رحت أعدد مجالات التحول الحضاري والثقافي والمادي والتي تعيشها الشعوب العربية والإسلامية بفضل هذه الثورة الإعلامية... ولكني لا أستطيع أن ألتف على الحقيقة.

وأزعم أن هذه الثورة الإعلامية كانت كلها خيرًا وبركة على مجالاتنا الحيوية في التاريخ العربي والإسلامي المعاصر، وأولها: مجال القيم الحضارية ذاتها، والتي تأسست عليها هويتنا العربية الإسلامية، ثم مجال لغتنا العربية التي كادت تتآكل أمام سيل المواد الفنيــة والإعلامية".

ومن خلال هذه الكلمة المعبرة والمؤثرة، يتضح أن المنهج العلمي بات من ضرورات التعليم على اختلاف مراحله، في ظل ثورة معلوماتية تعبر الفضاء المفتوح دون حسيب أو رقيب، لتؤسس لنظام عالمي جديد يفتقر إلى القيم الأخلاقية والمنطقية، ما يحتم علينا في جميع دولنا العربية والإسلامية، تنشئة أجيالنا .

وترسيخ الثقافة العربية بمفرداتها الأساسية، وفق أبجديات المنطق وأسس المنهج العلمي، ليكونوا خط الدفاع الأول في مواجهة الغزو الثقافي الغربي، وتداعيات عصر العولمة بقيمه وأفكاره التي تتعارض مع قيمنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية الإسلامية.

ولا شك أن هناك صلة قوية بين جميع العلوم الإنسانية، من منطلق أنها تتجه جميعها إلى دراسة موضوع واحد هو الإنسان، ولكن كل علم منها يستقل بدراسة جانب من جوانبه.. ويعد الكندي أول فلاسفة العرب الذين عبروا عن العلاقة بين الدين والفلسفة في كتابه "رسالة إلى المعتصم بالله"، حينما أوضح أن "الفلسفة هي علم الأشياء بحقائقها بقدر الطاقة الإنسانية، وأن غرض الفيلسوف من علمه وعمله، هو إصابة الحق"..

في حين أوضح الإمام الغزالي العلاقة بين الدين والفلسفة بقوله: "اعلم أن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لن يتبين إلا بالعقل، فالعقل كالأساس والشرع كالبناء، ولن يغني أساس ما لم يكن بناء.. ولم يثبت بناء ما لم يكن أساس، ومعنى ذلك أن العقل بدون شريعة لا قيمة له، وإن إثبات الشريعة يستلزم العقل، فكلاهما ضروري للآخر". ومن الفلاسفة العرب في مختلف العلوم، ابن خلدون في علم الاجتماع.

وجابر بن حيان في الفيزياء والمنطق، والخوارزمي في الجبر، وابن سينا في الطب، والفارابي، والماوردي، وغيرهم الكثير الكثير من الفلاسفة الذين لن يتسع حيز المكان لذكرهم، والذين أسسوا لهذه العلوم التي استفاد الغرب منها ومن التقدم العلمي الذي حققه العرب والمسلمون، ولا أحد يجهل أن ابن خلدون هو المؤسس الحقيقي لعلمي الاجتماع والتاريخ. كذلك فإن قواعد المنهج التجريبي لدى "فرانسيس بيكون".

وجدت كاملة في الأبحاث العلمية عند مفكري الإسلام، وأن مكتشف "الدورة الدموية" هو ابن النفيس العربي، و ليس "هارفي" كما يدعي الغرب. من هنا يركز علماء الإسلام على دراسة وتنشيط حركة التحقيق والنشر للتراث الإسلامي، وذلك بإخراج ما تؤويه المكتبات العربية المليئة بكنوز ونوادر المخطوطات العلمية القيمة، في مختلف فروع المعرفة الإنسانية، .

ولذا لا بد من التذكير بالدور المهم لعلم الفلسفة والمنطق في ظهور علم الرياضيات، ووضع أسس وقواعد المنهج العلمي. ومن المعروف علمياً أن المنطق هو العلم الذي يضع المبادئ الضرورية التي تضمن صحة التفكير عند الإنسان، وهو الذي يخاطب العقل الإنساني، ومن هنا تحضرني مقولة الفيلسوف الشهير ديكارت: "أنا أفكر إذن أنا موجود".

ومن أشهر العبارات التي قالها أبو حيان التوحيدي، نقلاً عن أستاذه أبي سليمان السجستاني: "النحو منطق عربي، والمنطق نحو عقلي، ولولا الكمال غير مستطاع، لكان يجب أن يكون المنطق نحوياً والنحو منطقياً".

 

Email