«خُوش نوروز»

ت + ت - الحجم الطبيعي

حل عيد النوروز هذه السنة برداً وسلاماً على الخمسة عشر مليون كردي في تركيا. وهذه المناسبة السعيدة تقع في الحادي والعشرين من مارس، وتمثل بداية الربيع وأيضاً بداية لسنة جديدة.

وهي مناسبة لا تخص الشعب الكردي وحده، بل تحتفل بها كل شعوب آسيا الوسطى، وهي من الاحتفالات المتوارثة الضاربة في القدم، التي تمسكت بها هذه الشعوب رغم دخولها إلى الإسلام.

وفي هذه المناسبة السعيدة، تجمع قرابة ربع مليون كردي بملابس العيد الزاهية، وفي سابقة هي الأولى في إحدى ساحات مدينة ديار بكر، ليستمعوا إلى رسالة تاريخية موجهة من زعيمهم عبد الله أوجلان، القابع في سجنه الانفرادي في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة، منذ أن تم اختطافه من كينيا في العام 1999.

حقاً إنهم كانوا على موعد مع خطاب تاريخي، فقد دعا زعيمهم "المهيب" أتباعه من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، إلى وقف القتال والانسحاب من الأراضي التركية.

خاطب أوجلان الألوف الفرحة عن طريق أحد أتباعه من النواب الأكراد في البرلمان التركي، قائلاً: "اليوم نصحو على تركيا جديدة في شرق أوسط جديد... نقول لشعوب المنطقة من عرب وفرس وأتراك وأكراد يكفينا قتل بعضنا بعضاً، أما لملايين الناس فنقول إننا بدأنا مرحلة جديدة، مرحلة تُقدم فيها السياسة على السلاح، وتلك هي البداية".

وقد جاء هذا الخطاب تتويجاً لنضال مسلح طويل، شنه حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) بعد ست سنوات من تأسيسه على يد أوجلان في العام 1978، ليدخل هذا الحزب في صراع دموي مرير مع القوات التركية، أفضى إلى مقتل حوالي 40 ألفاً معظمهم من الأكراد، إلى جانب الآلاف القابعين في سجون أنقرة، فضلاً عن الدمار الذي حل بمئات القرى الكردية الجبلية الحصينة. وتقدر الخسائر المادية لهذه الحقبة التي امتدت قرابة ثلاثة عقود، بحوالي 400 إلى 500 مليار دولار.

إنكار حقوق الأكراد وعدم الاعتراف بهم كقومية، كانت هي السياسة الرسمية التي سارت عليها الدولة التركية الحديثة، منذ تأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك في العام 1923، وظلت الحكومات التركية المتعاقبة وَفِيّة لطروحاته القومية المتطرفة.

غير أن العالم بدأ يتبدل قبيل حلول الألفية الثالثة، وأخذت لغة جديدة تسود العالم، بعد أن تحول كل شرق أوروبا إلى الديمقراطية، وبعد أن استقلت جمهوريات الاتحاد السوفييتي واحدة بعد الأخرى، لتتشكل منها دول على أساس قومي. وكان عدم حل المشكلة الكردية دوماً حجر العثرة التي تقف في طريق دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والتي كانت تثار في وجهها من تلك الدول المترددة في قبولها.

وقد تبدل التعاطي مع هذه المسألة، حينما وصل حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان إلى السلطة في العام 2002، فشهدت تركيا انفراجاً في معاملتها للأكراد، بالسماح لهم بالبث بلغتهم الخاصة وبتعلمها في المدارس، وبرفع حالة الطوارئ في مناطقهم. واعتبر أردوغان أن القضية الكردية مرتبطة بتطور الديمقراطية وشيوعها في الدولة التركية.

وما يعزز وقف إطلاق النار هذه المرة، خلافاً للمرات السابقة، وتحول حزب العمال الكردستاني إلى العمل السياسي، وتحول الدولة التركية إلى المرونة في التعاطي مع الشأن الكردي، هو بلا شك التغيرات التي تحدث في الجوار الإقليمي. فالأكراد في سوريا بزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المتحالف مع حزب أوجلان، هذا الحزب بات يسيطر على المناطق الكردية ويديرها، ومن الصعب التكهن بوضع الدولة السورية في حال سقوط الأسد.

أما أكراد العراق، فهم قاب قوسين أو أدنى من "إعلانهم الاستقلال"، بل هم في واقع الأمر يعيشون حالة استقلال حقيقية، وليس للمركز (بغداد) أي سلطان عليهم. وهذا ما يثير طموح أكراد تركيا، فضلاً عن أكراد سوريا وإيران، للتحرك.

على العموم، لحظات تاريخية مجيدة للشعب الكردي الذي ناضل طويلاً، وما يتمناه المرء هو أن يسود السلام في تلك الربوع الجبلية الجميلة، وأن تكون لغة الحوار لا لغة البنادق هي السائدة، فهذه هي لغة العصر، و"خوش نوروز" و"نوروز مُبارك" لإخواننا الأكراد.

 

Email