مأزق الإسلاميين في حكمهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح واضحاً أن الإسلاميين الحاكمين في كل من مصر وتونس، يواجهون مأزقاً كبيراً، الأمر الذي يسبب أزمات كبرى في البلدين، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الثورتين التونسية والمصرية. ولا يتبدى المأزق في تردي الأوضاع الاقتصادية فقط، وإنما في استمرار الحركات الاحتجاجية التي ترفع نفس المطالب التي رفعها الثوار في ثوراتهم قبل أكثر من عامين.

والواقع أن هناك أسباباً متعددة للمأزق الذي وقع فيه حكم الإسلاميين، وهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين أساساً، سواء في مصر أو في تونس، حيث إن حركة النهضة ما هي إلا فرع تونسي للإخوان المسلمين. وأول أسباب المأزق الذي يواجهه الإسلاميون، هو أنهم كحركات سياسية لم تكن لديهم أية جاهزية لتولي الحكم، ما دفع الكثير من المراقبين مع بداية الثورات، إلى توقع ألا يضع الإخوان أنفسهم أمام هذا المحك، وأن يتشاركوا مع قوى أخرى تحمل أعباء المسؤولية، وهو ما حدث جزئياً في تونس، لكنه كان مختلفاً تماماً في مصر، حيث بدت نزعات السيطرة والهيمنة على الفضاء السياسي، الأمر الذي عمق مأزق الإسلاميين.

ومع تولي الإسلاميين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين للحكم، بدا جلياً أنهم لم تكن لديهم رؤية لإدارة الدولة، ولم يكن لديهم مشروع مختلف عن الحكم السابق، سواء على الصعيد الاقتصادي أو التنموي، فضلاً عن أنه ظهر بصورة واضحة أنهم يفتقرون إلى الكفاءات اللازمة لإدارة دول عريقة تضرب بجذورها في التاريخ، وغياب الرؤية والكفاءات جعل الإسلاميين عرايا أمام جمهورهم، وهو الأمر الذي تسبب في توترات شهدتها المجتمعات التي تديرها الحركات الإسلامية.

وجزء أساسي من مأزق الإسلاميين، فضلاً عما ذكرناه، هو أنهم فشلوا في إقناع جماهيرهم بأن لهم مشروعاً وطنياً، بل إن الجماهير في الدول التي يحكمها التيار الإسلامي، خاصة المنتمي إلى جماعة الإخوان، يعتبرونهم غير وطنيين، وإنما هم منتمون إلى جماعة أممية تسعى إلى تطبيق الخلافة الإسلامية، بما يعني ضمناً إلغاء الدول الوطنية التي يحكمونها حالياً. وهذا الأمر، بغض النظر عن صحته من عدمها، أحدث فجوة كبرى بين الحاكمين والمحكومين، وأعطى معارضي الإسلاميين حججاً لإثبات عدم براءة القرارات التي تصدر عنهم، والتشكيك في وطنيتهم.

والخطأ الأساسي الذي وقع فيه الإسلاميون، هو أنهم راهنوا على أن «أدوات» الدولة سوف تعمل بمجرد تغيير الأشخاص المسؤولين عنها، وتصوروا أن البيروقراطيات التي توجد فيها هي التي تدير، وبالتالي سوف تستمر في الإدارة من دون توقف، وأن الأمر يمكن أن يستغرق بعض الوقت ثم تعمل البيروقراطية كسابق عهدها قبل التغيير الذي حدث في رأس الحكم. ولكن هذا التقدير لم يعمل كما تصوروا، ليس لأن ما أطلقوا عليه «الدولة العميقة» كان يترصدهم، ولكن لأنهم لم يفهموا طبيعة البيروقراطية، ولا طبيعة أجهزة الدولة التي أصبحوا يديرونها.

فجزء أساسي من مأزق الإسلاميين، هو أنهم بدلاً من الاهتمام بتولي المناصب السياسية، بدؤوا أولاً في تولية عناصرهم وأنصارهم المناصب الإدارية التي تتطلب خبرات بيروقراطية طويلة، وتتطلب أيضاً درجة من درجات الرضى لدى المرؤوسين والزملاء.

وكان هذا الاستعجال في تولية الأنصار للمناصب الإدارية على حساب كفاءات وخبرات متعددة خسرتها الإدارات الحكومية. وهذا أدى إلى ثلاثة أمور؛ أولها أنهم أعطوا خصومهم دلائل متعددة لاتهامهم بالسعي إلى أخونة الإدارات الحكومية، والثاني أنهم فشلوا في التعامل مع المشكلات اليومية للجماهير بما أكد فشلهم، والثالث هو أنهم دفعوا الناس عبر هذا الفشل إلى القيام بأعمال احتجاجية فشلوا في التعامل معها، بل استدعوا أساليب النظم السابقة في التعامل معها، الأمر الذي جعل الأقاليم خارج القاهرة هي التي تقوم بالقدر الأكبر من العمل الاحتجاجي.

وهذا الاحتجاج في معظمه عمل غير مسيس، وإن كانت القوى المعارضة سعت إلى استثماره في الضغط على حكم الإسلاميين من أجل تحقيق مكاسب سياسية، خاصة في ما يتعلق بقوانين الانتخاب وغيرها. ولما لم يستجيب الحكم، أضيف الاحتجاج السياسي إلى الاجتماعي، الأمر الذي زاد من التوتر وعدم الاستقرار الذي نراه حالياً في كل من مصر وتونس. وهذا يزيد الضغط على الإسلاميين في كلا البلدين، لكنهم حتى الآن غير قادرين على امتصاصه، ولا على التعاطي معه بأسلوب سياسي يهدئ من الأزمة.

ولم يعد أمام الإسلاميين الآن سوى أن يتراجعوا من أجل إنقاذ مشروعهم، أو حتى البقاء في الحكم لفترة أطول، لأن كافة المؤشرات تؤكد أن الأمور إذا استمرت كما هي الآن، فإن الدول التي يحكمها الإسلاميون سوف تواجه بثورة شعبية قد تؤدي إلى إسقاطهم.

والتراجع يعني أن يسعوا إلى البحث عن توافق وطني، عبر مشاركة قوى أخرى في الحكم معهم، والتخلي عن سياسة الهيمنة الحالية، فضلاً عن تأجيل مشروع «التمكين» لفترة من الوقت. فإن لم يفعلوا ذلك فإن المأزق سوف يضيق عليهم، ويؤدي بهم ليس إلى خسارة القطاعات الشعبية التي كانت تتعاطف معهم فقط، بل إلى تخلي قوى كانت محسوبة عليهم من قبل، وكانت ظهيراً شعبياً لهم، كما يحدث الآن في مصر بينهم وبين تيارات سلفية بدأت تطالبهم بالتخلي عن الهيمنة، وقوى أخرى قريبة منهم بدأ رموزها في الحديث عن ضرورة إجراء انتخابات مبكرة.

 

Email