الثورة السورية والحرب الطائفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زالت فصائل المعارضة السورية المتعددة، السياسية والمسلحة، تؤكد أن الأحداث في سوريا هي ثورة ضد نظام مستبد قمعي شمولي، بل وديكتاتوري، وليس لها أية علاقة لا بالصراعات الطائفية أو الإثنية أو غيرها، وأنها تنطلق من احترام معيار المواطنة كمرجعية للجميع، والمساواة بين جميع فئات السوريين على مختلف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وطبقاتهم الاجتماعية.

وفي ضوء هذا ترفض تيارات المعارضة رفضاً مطلقاً، الفرضيات التي تقول بأن الأحداث والصراعات القائمة هي حرب أهلية أو صراعات طائفية أو ما يشبه ذلك، سواء صدرت هذه الفرضيات عن الأمين العام للأمم المتحدة، أم عن سياسيين أوروبيين، أم عن كتاب ومحللين سياسيين أم عن سياسيين.

وتؤكد أن ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية ضد النظام السياسي القائم، بدأت سلمية ثم أمام استخدام النظام للسلاح ضدها ورفض الحلول السلمية والسياسية، تحولت إلى ثورة مسلحة.

وترفض قوى الثورة اعتبار الأقليات المذهبية والدينية والقومية أطرافاً أخرى مستضعفة من أي أحد أو مواطنين من الدرجة الثانية، خاصة وأن هذه الأقليات، أو بعضها، تشارك في الواقع مشاركة فعالة في نشاطات الثورة السياسية والعسكرية، انطلاقاً من انتمائها الوطني والاجتماعي، وترفض الغالبية الساحقة من السوريين أي حديث أو اتهام للثورة بالتعصب القومي أو المذهبي.

وهذا ما دأبت فصائل المعارضة على تأكيده وممارسته خلال العامين الماضيين، ولم تشهد الأقليات أي تصرف سلبي من قبل قوات الثورة، سواء المسلحة منها أم السياسية.

في المقابل، جرت أحداث وتصرفات وممارسات في سوريا وحولها، من قبل غير السوريين، في محاولة واضحة لتحويل الثورة إلى حرب طائفية صرفة.

فقد شهدنا في الأسابيع القليلة الماضية، تدخلاً مسلحاً مباشراً من ميليشيا حزب الله في الشأن السوري، واحتلال هذه الميليشيا عدة قرى سورية، وقصف قرى أخرى، وحدوث مناوشات مسلحة بين هذه الميليشيا والمعارضة السورية المسلحة، وسقوط قتلى وجرحى من الجانبين، وتبادل الاتهامات، ولم ينكر حزب الله في الواقع هذه الأحداث ولا الاتهامات التي وجهت إليه في هذا المجال.

وفي الوقت نفسه، بل وفي الأسبوع نفسه، صرح نوري المالكي رئيس وزراء العراق، بأن نجاح الثورة السورية وسقوط النظام سيؤدي إلى اضطرابات في دول الجوار، بل في الدول الإقليمية بكاملها، وربما سيساهم في تقسيم هذه الدول. وأشرك الجيش العراقي ضد المعارضة السورية المسلحة في بعض المناطق الحدودية، وكان تدخلاً عسكرياً مباشراً في الشأن السوري، وانحيازاً واضحاً ضد الثورة.

ومن طرفها طلبت إيران إدخال الأزمة السورية والمشكلة البحرينية في المحادثات التي تجريها دول (5 +1) حول التسلح النووي الإيراني، وكان طلباً مستغرباً، لعدم وجود علاقة مباشرة لا بالشكل ولا بالموضوع، بين الأزمة في البلدين وبين تملك إيران للسلاح النووي.

وفي الأسبوع نفسه اقترح أحد المستشارين الرئيسيين للسيد علي الخامنئي (مرشد الثورة الإيرانية)، أن تُضم سوريا إلى إيران باعتبارها المحافظة الخامسة والثلاثين.. والملاحظ أنه لا السلطة الإيرانية استغربت مثل هذا التصريح، ولا السلطة السورية استنكرته.

من خلال ما قام به حزب الله، ورئيس وزراء العراق، والسياسة الإيرانية، نلاحظ أن هذه الأطراف جميعها تنطلق في موقفها من الثورة السورية من منطلق طائفي، فالمسألة الطائفية هي الوحيدة المشتركة بين هذه الفئات الثلاث. وسواء كان الموجه لهذه السياسة أو الدافع إليها هو إيران أو غيرها، فإن الدافع الأساس لهذه الأطراف كلها في موقفها من الثورة السورية هو الدافع الطائفي.

ويبدو أن هذه الأطراف جميعها تتمنى أن تتحول الثورة السورية إلى حرب طائفية، لتجد في ذلك مبرراً للتدخل والمشاركة في هذه الحرب، وإنجاح ما أسماه أحد القادة العرب قبل عامين "الهلال الشيعي".

وتجد إيران أن هذه فرصتها لمزيد من التدخل في الشؤون الإقليمية، وتحقيق الهيمنة على بعض الأقطار العربية باسم الطائفية وتحت مبرر حقوق الأقليات الطائفية.

 ويعلم المؤرخون جميعاً أن الهم الأساس لدى السياسة الإيرانية، ليس التشيع وليس حقوق الشعوب، وإنما إحياء النزعة الفارسية والنفوذ الفارسي واستغلال المسألة الطائفية لتحقيق هذا الهدف.

وعلى ذلك فإن محاولة إثارة الفتن الطائفية والزعم بالدفاع عن حقوق الإنسان أو عن الإسلام أو عن الطائفة الشيعية، والتدخل الطائفي في شؤون سوريا والتحريض على الفتنة بين السنة والشيعة، هي وسائل لخدمة السياسة الإيرانية التي لا تهتم حقيقة، لا بشؤون الأقليات الطائفية ولا الإثنية، وتمارس عليهم في إيران أسوأ أنواع القمع والكبت والحرمان.

هكذا إذن، ترى المعارضة السورية وتؤكد، أن الثورة السورية هي ثورة وطنية ضد نظام جائر، وليست لديها أي شبهة طائفية ولا إثنية ولا مذهبية ولا طبقية، كما يحاول النظام السوري أن يشير. وربما كان من أهداف المحاولات الإيرانية تحويل الثورة السورية إلى حرب طائفية، والبحث عن مبرر للتدخل في الشؤون السورية والعربية، وتكريس المزاعم القائلة بأن إيران حامية للأقلية الشيعية في البلدان العربية.

 

Email