نحو استخدام راشد لـ«الواتساب»

ت + ت - الحجم الطبيعي

الواتساب "WhatsApp" أحد أهم برامج التراسل والتواصل الاجتماعي، التي دخلت الخدمة قبل سنوات. هذا البرنامج، وكعادة البرامج المشابهة، اكتسح الهواتف النقالة الذكية، حتى ما عاد يخلو منه جهاز في هذه الأيام، ولعل من أهم مميزاته أنه قدم بديلا مجانيا ساحقا لخدمتي الرسائل القصيرة ورسائل الوسائط المتنوعة غير المجانيتين، واللتين كانتا شائعتين جدا في السابق بالرغم من تكلفتهما.

الجميع اليوم تقريبا يستخدمون واتسب.. وبطبيعة الحال، لا تظهر على الناس تقنية جديدة، إلا وتأتي معها حمولة من السلبيات، فهذا هو حال الاستخدام البشري اللا متوقع واللا محدود لهذه التقنيات، مما يؤدي إلى صرفها وحرفها عن أهدافها المباشرة النبيلة التي وضعت لأجلها.

وحين أكتب اليوم عن الموضوع، فلست أشير من قريب أو بعيد لسوء هذه التقنيات، ولا أدعو أبدا إلى التوقف عن استخدامها، وإنما مرادي هو السعي لبناء شيء من ثقافة حكيمة راشدة - إن جاز لي هنا أن أستخدم هذين المصطلحين شائعي الاستخدام نادري التطبيق - لاستخدامها. لذلك كان عنوان هذا المقال هو "نحو استخدام راشد للواتساب"..

من السلبيات غير المباشرة لوسائل الاتصال الحديثة، وهو أمر لا يدور عنه الحديث كثيرا وللأسف كبقية السلبيات المباشرة، هو أنها أصبحت عنصرا إضافيا من عناصر الضغط النفسي التي تقع على كاهل إنسان هذا العصر، لمجرد أنه وجد نفسه يعيش في هذا العصر.

عصر اليوم، كما هو دارج، يسمى بعصر السرعة، وأنا أسميه عصر "السرعات"، فمن هذه السرعات سرعة التواصل، وسرعة التحاور، واتساع شبكة المعارف الممكن الوصول إليهم والحديث معهم، بالصوت والصورة، بأسرع وقت وبأقل جهد عضلي لا يتجاوز ضغطة الزر.

هذه السرعات المتراكبة صارت تشكل ضغطا فكريا ونفسيا كبيرا على الإنسان، فالإنسان ومهما ظن أنه قادر على إدارة هذه الشبكة المتسعة من التواصلات والحوارات والإرسالات والاستقبالات، فإن فكره ونفسه يقعان تحت الضغط المتزايد ويأخذان بالأنين والمعاناة.

وهذا الضغط وقبل أن يشعر به الإنسان بشكل مباشر ويدرك وجوده فيسعى لمعالجته، سيظهر عليه بأشكال جسمانية متعددة، كما أظهرت الدراسات الطبية المتخصصة، كأن يعاني من التعب السريع والصداع وآلام الظهر واضطرابات الجهاز الهضمي، واختلال برنامجي النوم والأكل، واضطراب الوزن بالتبعية، وصولا إلى الإرهاق الجسدي العام. كما قد يصبح الإنسان الواقع تحت هذا الضغط النفسي، أقل تركيزا أو سريع الانفعال والغضب، وغير ذلك من الاضطرابات.

برنامج الواتساب، وهو مدار مقالتي، كان في جهازي لسنوات طويلة، فقمت بإزالته منذ أسابيع، بعدما وجدت أنه صار يشكل عنصر ضغط فكري ونفسي مرهق، وبعدما وجدت أن مستخدميه على الطرف الآخر يسيئون استخدامه بشكل لا يصدق.

ولكوني عجزت عن إضافة كل الأسماء المزعجة في قائمة الحجب"Block" ، كان قراري بإزالته والارتياح من دفع ضريبته النفسية والاجتماعية الباهظة. وأنا أنصح، وبلا تردد، كل من يعاني من ضغط الواتساب أن يحذو حذوي، خصوصا إن كانت قائمة الأسماء في جهاز هاتفه النقال ضخمة جدا، كما هي حالتي لطبيعة عملي وكثرة أنشطتي الاجتماعية.

من أبرز النقاط في "واتسب" والتي تستحق انتباها وتعاملا حكيما، النقاط التالية:

* من الواجب على مستخدم واتسب، أن يدرك أن ليس كل الأسماء الظاهرة في قائمة الأسماء عنده تقبل التواصل اللامحدود من خلال برنامج واتسب، لمجرد أن البرنامج موجود في أجهزتها، وبالتالي فمن المهم أن يكون التواصل عبر هذا البرنامج مرتبطا بطبيعة العلاقة وشكلها. الشخص الذي تعرفه في إطار علاقة رسمية، لا يصح أن تتواصل معه إلا بشكل رسمي، والشخص الذي لا تعرفه إلا بالكاد ولكن تحتفظ برقم هاتفه في جهازك، قد لا يرغب في استلام رسائل الواتساب منك مطلقا، لذلك يجب الاستئذان أولا، وهكذا..

* ظهور مستخدم الواتساب على الخط"Online" ، لا يعني بالضرورة أنه يقبل استلام الرسائل منك في تلك اللحظة، وأنه متاح للدردشة والحوار، فقد يكون قام بتشغيل الواتساب لاستلام رسالة بعينها أو للتواصل مع شخص معين، أو ربما فقط ليتصفح بعضا من رسائله القديمة، وبالتالي فإن إرسالك رسالة له لا يعني إلزامية رده عليها، بل إن رده أو عدم رده يرتبط بظروفه ورغبته هو أولا وأخيرا، ولا مجال لك للتحسس من ذلك.

* خدمة الرسائل الجماعية "Broadcast" لا يصح استخدامها مع كل من هم في قائمتك، فأغلب الناس لا يرغبون في استلام رسائل البرودكاست، خصوصا وأن أغلبها مجرد إعلانات أو نكت أو مقاطع فيديو أو أخبار غير دقيقة أو صور أو روابط، وغيرها من الأمور التي لا تستهوي جميع الناس، وربما تثير حفيظة بعضهم. من الأدب والحكمة أن تسأل الطرف الآخر إن كان يرغب في استلام رسائل البرودكاست منك أو لا قبل أن تزعجه بها، وتزداد أهمية هذا الأمر حين يكون هذا الطرف الآخر شخصا لا ترتبط معه بعلاقة قريبة تسقط معها الكلفة.

* مجموعات الواتساب "Groups" والتي تختص بالحوارات والدردشة الجماعية، تستوجب منك أن تسأل الطرف الآخر إن كان يرغب المشاركة فيها من عدمها قبل قيامك بإضافته مباشرة. لا يصح أن يفتح الشخص برنامج الواتساب ليجد أن أحدهم قد قام بإضافته لمجموعات حوار، كائنا ما كان موضوعها، دون الرجوع إليه.

هذه كانت بعض النقاط التي عانيت منها من خلال استخدامي للواتساب، وأحببت أن أشارككم بها، وأنا واثق أن لديكم الكثير من النقاط الأخرى!

 

Email