في الحركة بركة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل سألت نفسك كم دقيقة تتحرك في اليوم؟ وهل المقصود بالحركة البدنية منها فقط؟ الحركة عند الطبيب هي الرياضة، وعند الموظف الانتقال من طابق إلى آخر، وعند ربة البيت غسل الأواني. فالتعريف يختلف من بيئة لأخرى ومن منظور لآخر، لكن العامل المشترك هو تحريك الجسم.

ولماذا الحديث عن هذا الموضوع الممل حتى أصبح الكثير يغير من تردد المذياع عند سماعه الحديث عن الحركة والرياضة؟!

الكون في حركة دائمة، وكذلك خلايا أجسامنا في دوران مستمر. إذن، الحركة جزء لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية وبدونها تتوقف الحياة.. وهكذا أصبحت ابداننا. انعدمت الحركة منها وخرجت من الباب تحت أعذار لا تسمن ولا تغني من جوع؛ ضيق الوقت, حرارة الجو, صعوبة التمرين.. وفي المقابل دخلت أمراض العصر؛ من البدانة والضغط والسكري، بكل ترحاب في أجسامنا، واستقرت فيها وتناسلت للأجيال المتعاقبة.

من الناحية العلمية، بينت الدراسات المستفيضة أن ممارسة الحركة والنشاط البدني بجميع أنواعه، يحفز الجسم على إفراز هرمونات ومواد تساعد في إعادة بناء الجسم بطريقة صحية، وتجدد الخلايا التالفة، وهذا بدوره يقلل من احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة والخبيثة.

من ناحية أخرى، حرق الدهون المصاحب للحركة، يحافظ على التوازن بين السعرات الحرارية الداخلة للجسم (عن طريق الأكل) والخارجة منه. وفي الكثير من الأحيان يجعل الخارج أكثر، وبالتالي يسيطر على زيادة الوزن والسمنة. أما من الناحية النفسية، فإن الحركة تحسن من المزاج وتقي من الإصابة بالاكتئاب والتوتر. ولا ننسى دور النشاط البدني في زيادة التركيز خلال اليوم، وهذا يزيد من إنتاجية الموظف في عمله وربة الأسرة في بيتها والطالب في مدرسته. لكن، ما هي الحركة الصحية؟ تأتي الرياضة والنشاط البدني، كالجري والسباحة وركوب الخيل، على قمة الهرم. وفي هذا لا نحتاج إلى إثبات الدراسات العلمية، فديننا الإسلامي برسوله عليه الصلاة والسلام والصحابة، حثوا على الرياضات المذكورة ومارسوها.

ومن ثم تأتي الحركة اليومية من المشي وممارسة الأعمال المنزلية والمهنية، كشريحة مهمة في قائمة الحركة الصحية. البعض قد يستصغر دور المشي في الاستراحات القصيرة أثناء العمل, لكن حتى هذه الدقائق تصب في مصلحة البدن، وخصوصا إذا أصبحت روتينا يوميا في حياة الفرد.

ويحضرني هنا حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي - حفظه الله - في القمة الحكومية المنصرمة، عندما بين أهمية المشي والرياضة في جدول سموه اليومي، والمشي لمسافة 3 كيلومترات يوميا و10 كل أسبوع و20 كل أسبوعين، إلى جانب ركوب الخيل. وهذا مثال عملي من القدوة في تطبيق الأسلوب الصحي في الحياة، والذي بدوره يحمي من أمراض الحياة العصرية المزمنة. لكن، هل تأثير الحركة الإيجابي ينحصر في البدن فقط؟ الحراك الذهني والعقلي لا يقل أهمية أبدا، حيث إن الكثير من الأبحاث الطبية أثبتت التأثير الإيجابي العميق للنشاط البدني والحركة، على النتاج الفكري والنفسي للفرد، فكل ما يؤثر على البدن يؤثر بدوره على الروح والعقل.

وهنا سأذكر مثالا واقعيا على ذلك، ألا وهو التجربة الفريدة من نوعها في العالم "دولة الإمارات العربية المتحدة". فمنذ تكوين الدولة وقبل ذلك بكثير، كان شيوخنا الكرام في حركة دائمة لتأمين متطلبات الحياة الكريمة لشعب وساكني هذه الأرض الطيبة. والمتابع لحياة المؤسسين الشيخ زايد والشيخ راشد طيب الله ثراهما - يجد أنهما كانا يتحركان من مشروع لآخر ومن قرية لأخرى، ويتابعان شخصيا سير العمل بالإضافة لحركتهما في رياضاتهما اليومية، واستمر على هذا النهج الشيوخ الكرام في حلهم وترحالهم.

ماذا كانت نتيجة هذه الحركة البدنية المستمرة؟ طاقة إيجابية لا تتوقف، وإبداع في الأفكار، وقهر للمستحيل وإزالته من قاموس حكامنا، وتمخض ذلك عن كل ما وصلت إليه الدولة من رقي، وما ستصل إليه. فالرياضة المستمرة تكون رافدا لا ينضب للطاقة الإيجابية، والتي بدورها تحرك عجلة التطور والتميز إلى ما لا نهاية.

ففي الحركة بركة للجسم بالابتعاد عن الأسقام والآلام, وفي الحركة بركة للعقل بجذب الطاقة الإيجابية, وفي الحركة بركة في الرزق والعمل الجاد, وفي الحركة بركة الانقياد لحركة الكون والخالق.

 

Email